14 سبتمبر 2025
تسجيلالسبت الماضي كان هو اليوم العالمي لحرية الصحافة في العالم، وعادة في مثل هذا اليوم تصدر بعض الجهات ذات الاختصاص تقارير عن اتجاه الحريات الصحفية في دول العالم، وغالبا تتحدث هذه التقارير عن أسباب تراجع حرية الصحافة في هذا البلد أو ذاك أو تقدمها في تلك البلاد والأسباب التي أوصلتها إلى ذلك التقدم.كان شعار اليوم العالمي لحرية الصحافة هذا العام (حرية الإعلام من أجل مستقبل أفضل)، وبهذه المناسبة ناشد الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون) دول العالم كلها، قائلا: (نناشد جميع الدول والمجتمعات والأفراد الدفاع بفاعلية عن حرية التعبير وحرية الصحافة بوصفهما حقيْن من الحقوق الأساسية ومساهمتين جليلتين في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية وفي وضع خطة التنمية لما بعد عام ٢٠١٥).ومن المعروف أن قوانين الأمم المتحدة ذات الصلة بحقوق الإنسان ومنذ بداية تلك القوانين عام ١٩٤٨م وحتى هذه الأيام وهي تجعل من الحرية قيمة من أعظم القيم الإنسانية وتطالب الدول بسن أنظمة تكفل هذه الحريات وتضمن للأفراد والمنظمات حرية ممارستها، بحيث يكون الإنسان حرا في التعبير عن رأيه وكذلك له الحرية في تبني آراء أخرى دون أي تدخل من أي جهة، وهذه الحرية تتضمن جمع معلومات أو أفكار بأي طريقة أو وسيلة إعلامية وبغض النظر عن أي حدود، ولكن الواقع وفي معظم دول العالم يشهد انتهاكا لحرية الصحفيين وعلى تفاوت ما بين دولة وأخرى بحسب قوانينها وواقعها السياسي والاجتماعي، وكذلك مدى فهمها لمصطلح الحرية الذي قد يصطدم أحيانا بالمفهوم الديني الذي تؤمن به تلك الدولة. عالمنا العربي خاض تجربة الصحافة في وقت مبكر؛ ففي عام ١٨٢٨م أصدر محمد علي باشا حاكم مصر صحيفة رسمية باسم جريدة الوقائع المصرية، وفي عام ١٨٦٧م صدرت في دمشق جريدة (سوريا)، وفي ١٨٧٥م صدرت جريدة الأهرام في مصر وما زالت تصدر حتى الآن، ثم بعد ذلك توالى صدور الصحف في عالمنا العربي كله وكانت دول الخليج من أوائل الدول العربية التي أصدرت صحفا رصينة وكان بعضها تحت الاحتلال، ولكن تقدم العرب في المشاركات الصحفية لم يجعلهم يقدرون قيمة الحريات بشكل عملي وصحيح وهذا ما جعل دولهم متأخرة جدا في تقييم الحريات الصحفية في العالم وبدون شك فإن تلك التقييمات السيئة والمتكررة تسيء إلى دولنا العربية، لاسيَّما وأن الواقع يشهد أنها تتأخر - غالبا - سنة بعد أخرى، والأسوأ من هذا كله أن بعضها لا يستفيد من التقارير التي تكتب عن حرية الصحافة في تحسين واقعه، بل يذهب إلى اتهام تلك التقارير بالانحياز لهذا السبب أو ذاك. وبحسب تقرير منظمة (مراسلون بلا حدود) فإن دولة (فنلندا) وللمرة الرابعة على التوالي تحوز على المركز الأول عالميا في موضوع الحريات الإعلامية - وحسب معلوماتي فإنها الأولى عالميا في انعدام الفساد ولعل ذلك يؤكد اقتران الفساد بقمع الحريات، تليها بعد ذلك هولندا والنرويج، أما أسوأ ثلاث دول في العالم في موضوع الحريات فهي: تركمانستان وكوريا الشمالية وإرتيريا، تأتي بعدها سوريا وهي الأسوأ عربيا والتي تعد من أخطر دول العالم على الصحفيين، حيث تعمد نظامها قتل العديد منهم.وبالنسبة للتقرير، فقد جعل موريتانيا الدولة الأولى عربيا في حرية الصحافة والـ ٩٦ عالميا، أما مصر فكان نصيبها الـ ١٥٩ عالميا وأيضا بسبب تراجع الحريات كثيرا وكذلك بسبب سجن عدد من الصحفيين والتضييق على الآخرين، أما العراق فجاءت في المرتبة الـ ١٥٣ عالميا وأيضا لأن حكومته قتلت وسجنت صحفيين، كما أن الحريات فيها شبه معدومة. خليجيا كانت قطر الأولى، أما عالميا فحازت على الـ ١٥٤ عالميا، تليها عمان التي جاءت في المرتبة الـ ١٦٢ عالميا، أما البحرين فكان نصيبها الـ ١٨٩ عالميا والسعودية ١٨٣ عالميا. التصنيف الذي نشرته منظمة (مراسلون بلا حدود) لا يبشر بخير للدول العربية قاطبة، والتعليلات التي قدمها بعض المسؤولين العرب والتي اتهموا فيها واضعي التقرير بالانحياز ليست كافية ولا مقنعة، والحل الأمثل هو إتاحة الحريات للجميع ليعبر كل واحد عن رأيه بحرية وأمن واطمئنان، ولا يعني هذا ألا تكون هناك ضوابط مطلقة، فنحن نعرف أنه ليس هناك حريات مطلقة ولكن على الضوابط التي تضعها أجهزة كل دولة أن تكون مقبولة ويرتضيها غالب المواطنين، وفي الدول العربية يمكن القول بأن يكون الضابط الوحيد هو مخالفة الإسلام الذي تدين به الغالبية وما عدا ذلك فلكل واحد الحق في التعبير عن رأيه كما يشاء. الحرية مطلب إنساني لا يمكن اغتياله، والشعوب التي تمنع من حريتها تقاد إلى الموت البطيء وأيضا إلى التخلف المقيت.