16 سبتمبر 2025

تسجيل

بعد الجيزاوي.. أعلامنا بحاجة للثورة

06 مايو 2012

يبدو أن عالمنا العربي من المحيط إلى الخليج في أقصى حاجته الآن إلى ثورة كبرى في شكل ربيع صحفي يجتث معالم وأسماء الفساد والانتهازات الفكرية والإعلامية التي غزت محيطنا وغذت ميولنا بما لا ينبغي من الأفكار المخلة. فمن معين نبع إعلامنا العكر "يغدو الفأر جملا" في سطور بعض كتابنا وتتحول الشمس الساطعة في حقيقتها الكونية إلى ظلمة سرمدية أمام ناظريها في وضح النهار ناهيك عن الأبواق الموظفة بصوت النعيق في حالات التراشق والاختلاف حيث تسخر طاقات الانتهاك وتعمر مفردات القواميس لاستنباط كلمات السب وأقذع معانيها. فذاك انحراف عن جادة أهدافنا ومرامنا القومي الكبير المبتلى باحتلال أجزائه وانتهاك الأعداء لحقوق الأمة واستباحة كرامة أهلها ومقدساتهم والعمل على تعطيل جهودها للمضي نحو مصالحها وسعادة شعوبها. نعم فمشهد إعلامنا العربي وجل حصيل كتاباتنا وقرارات النشر في مؤسساتنا الإعلامية بحاجة قصوى إلى الانتفاضة على ذاتها طوعا أو كراهية. فإعلامنا هو المغذي الأكبر لنمو مراس الفساد وشيوع الدكتاتورية ونفخ الذات المتضخمة عند بعض القادة من حكام ومسؤولين بل وجماهير حين تقلب أمامهم الحقائق وتزين الممارسات وتزرع الخشية في قلوبهم من هذا أو ذاك تحقيقا للاستبداد الفكري الممارس في عموم مجتمعاتنا المنكوبة علنا في إعلامها الذي تزور فيه المعاني وترسم الصور بشكل عجيب. فهو إعلام مروع في شكل ممارساته وأساليب ممارسوه حيث تحكمهم في النهاية مصالح وتعليمات توجه الأقلام والأفكار إلى نحو ما تريد دونما التفات إلى ضمير أو تقدير لمصلحة سوى أن الهم لديهم هو تحقيق غاية وإن أتت بما لا تحمد عقباه . أيضا غدا للإعلام مضمار خصب في خوض الحروب الخفية وإشعال الفتن فيما بين الأخ وأخيه والجار وجاره حتى لم تسلم كل دولنا من هذا التراشق المقيت الذي حشد الجماهير نحو بعضها وأشعل بينها الفراق وحماس الأنانية وحب الذات دونما خجل أو وجل من تصعيد لما لا يرقى أن يكون خلافاً بين الشعوب. أكتب هذه السطور وأنا أستمع إلى خطاب الملك عبدالله بن عبدالعزيز أمام ضيوفه من وفد البرلمانيين المصري وممثلي الأحزاب والأديان والفنانين وأساتذة الجامعات ممن قدموا لتقديم الاعتذار للسعودية قيادة وشعبا بعد الأحداث المؤسفة التي أعقبت إيقاف المحامي أحمد الجيزاوي في مطار جدة بتهمة تهريب المخدرات وهي حادثة فردية تتكرر من البعض في البلدين اللذين لهما الحق في ممارسة سيادتهما على أراضيهم وتطبيق الأنظمة والقوانين اللازمة حيال ذلك سوى أن الإعلام هو من حمل الشعلة وتصدى للموقف بطريقة اختطفت معها كل القيم وكل مشاعر المودة وكل التقدير وكل التاريخ ليغدو السباب والشتم وتحشيد الرأي العام هو الهدف لتكبر المسألة إلى سحب السفير السعودي ثم وصول الوفد المصري للاعتذار وهي بالطبع مبادرة مشكورة ومقدرة من الشعب السعودي وقيادته وبودلت أيضاً وبقرار سريع من خادم الحرمين الذي ضمن كلمته في استقبال الوفد بالكثير من المعاني المؤثرة بشأن ضرورة التلاحم وصيانة حياض الأمة وأمر بعودة السفير السعودي إلى القاهرة ومزاولة عمله اليوم الأحد. وما كان كل ذلك أن يحدث لو التزم الإعلام بأدبيات عمله ومارس المهنية الراقية فيما يخص الجيزاوي بل كان الإعلام وقودا لمزيد من الاشتعال. ومن مجريات هذه الحادثة التي عاجل عقلاء البلدين إلى تجاوزها سريعاً قبل أن تمتد إلى مدى أكبر يضر بالبلدين وعموم الأمة أدعو هنا إلى غربلة الإعلام العربي عموما وفحص نتاج العاملين فيه فحصا دقيقا لقياس أهليتهم للمهنة ومهمتها والانقلاب على من يحمل للأمة العداء وحب الفرقة. فالإعلام مثل جرعات الدواء الزيادة كالنقص فيه تضر غالبا دون أن تعالج أو قد تجلب المضاعفات. لذلك نحن بحاجة كإعلاميين إلى الثورة على مغالطاتنا والعودة إلى المراس النقي في إعلامنا لنقرب الناس بالمودة واستخدام قوة العبارة بعقل وحكمة ودليل لتصحيح اعوجاج أو لمناصحة دون أن نكون أدوات هدم أو معاول في يد غير أبناء أمتنا.