14 سبتمبر 2025

تسجيل

المصالحة الفلسطينية.. بين خشيتين

06 مايو 2011

حجم الارتباك الذي تلقى به العدو أنباء الاتفاق بين حماس وفتح يدلل على أن المصالحة الفلسطينية هذه المرة جدية ويبشر بأنها ستتم وستفتح آمالا عريضة يلتقي فيها المتغير الفلسطيني مع المتغيرات العربية لحشر العدو في الزاوية (كما قال السيد خالد مشعل) هذا التفاؤل حقيقي والسر في ذلك أن طرفي المصالحة نضجت لديهما كليهما وبالتساوي قناعة - وإن كانت متأخرة وبعد سنوات من التوهان والتشاكل – وبأنه محتاج ومضطر لها لأجل نفسه قبل أن يتمنن بها أو يحس أنه يقدمها لغيره، هذا السر هو الأساس للتفاؤل ؛ ولكنه ليس الوحيد، فقد نضجت مع هذا الأساس جملة من المعطيات جعلت المصالحة ضرورة وطنية وفريضة شرعية في غاية الجدية من أهمها: 1- إن المصالحة الفلسطينية تأتي في وقت يفتقد العدو فيه زمام المبادرة بل يفتقد آلية منهجية لفعل شيء في مواجهتها، وقد صرحت بذلك رئيسة كاديما ووزيرة خارجية الكيان السابقة – تسيبي ليفني – التي أخذت على نتنياهو فوق ذلك أنه كلما تكلم زاد أزمة جديدة، الجديد أيضا والذي يزيد أزمة العدو أنه يتحمل في نظر كثيرين في العالم مسؤولية الانغلاق السياسي، وأنه هو الذي أغلق سبل إعادة التسوية إلى السكة بما في ذلك رفضه مقترحات الرئيس الأمريكي. كل ذلك جعل الموقف الصهيوني في إطار المصالحة داخل ثنائية ؛ إما أن ينهار بالكامل ويقع تراجع غير لائق وغير منطقي تحت وقع هذه المصالحة ولهذا ما له من خطورة مستقبلية على الكيان بما سيعطيه من انطباعات واستخلاصات، أو أن يتمسك بموقفه المتعنت وعندها سيكون متخلفا عن المتغيرات التي ستفرضها المصالحة وسيكون موقفه هذا غير مبرر حتى لدى حلفائه. 2- إن المصالحة تأتي استجابة وتناغما مع المتغيرات (الثورات) العربية الجارية في المنطقة والتي تبشر بأن القيم السياسية التي خدمت العدو وبنى عليها معادلات سياسية وأمنية كثيرة أخذت مع الاستمرار والتتابع صورة المسارات الإستراتيجية، لقد فقد الكيان (حصان طروادة) النظام المصري الساقط، وها هي نظم ما يسمى بمحور الاعتدال كل مشغول بلملمة أوضاعه الداخلية للحيلولة دون انتقال (عدوى) الثورات الشعبية إليه. 3- إن العدو هو الذي خرب مسار التسوية وهو الذي كان دائما يتذرع لذلك بالانقسام الفلسطيني وأن كلمة الفلسطينيين وتمثيلهم ليس كاملا ذلك أعطى لجهود المصالحة وجاهتها كما أعطى للمصالحة عندما تمت مبرراتها، فلما جاءت المصالحة بعد سنوات من هذا التعيير والتخريب أصبح رفضه لها غير منطقي وأصبحت ذرائعه غير ذات بال، ذلك وفر على الفلسطينيين الكثير من الجهد والسعي لإقناع من حولهم بالمصالحة، فوقعت أسهل ويفترض أن تدوم أطول. 4- إن مواقع القوة الفلسطينية هذه المرة أكبر وأكثر منها في أي وقت مضى وبالأخص يوم حوصر عرفات ثم اغتيل ؛ والفلسطينيون إذا توافقوا هذه المرة على الحد الأدنى من البرنامج السياسي لن يستطيع أن يخرج عن إجماعهم إلا من يقبل لنفسه أن يكون خائنا وعميلا مفضوحا، ومن يجرؤ على وضع نفسه في هذا الموضع؟ ولو فعل فبم يستطيع أن يخدم العدو؟ ثم إن السيد عباس لم يغلق باب التسوية ولم ينتقل لخيار المقاومة ولا يتوقع أن يفعل من ذلك ما فعله عرفات عام الـ2000، وبذلك فالعدو لا يملك بديلا ولا رؤية ولا مبررا لفعل ما فعله يوم تخلص من عرفات، هذا يعرفه العدو فتتضاعف أزمته وعجزه وقلة حيلته ويعرفه الشعب الفلسطيني فتقوى عزيمته على المصالحة وعليه أن يستثمر فيه واسعا. كل هذه المبررات وسواها مما لا يحضرني الآن أو لا يتسع له المقام جعلت المصالحة ضرورة وطنية وفريضة شرعية، فلا يستطيع طرف من المتصالحين أن يدعي أنه مستغن عنها أو أنه يتمنن بها أو أنه أقدم عليها رأفة بالآخر وتخفيفا من أزمته وإحساسا بأخوته. فالسياسة وإن تغطت بالمجاملات فهي لا تنحكم لها، وفي أحيان كثيرة تتحول فنونها وألاعيبها وتملصاتها – للأسف – أهم من كل الاعتبارات بالأخص عندما تثور الدماء وعندما تشتبك المسائل الشخصية بالوطنية وعندما يتوحد الزعيم السياسي بالقضية حلولا واتحادا. الظن إذن أن المصالحة اليوم صادقة وأن النيات من حولها سليمة وأن الظروف والمتغيرات كلها تخدمها.. لكن (وعلينا أن نتكلم بصراحة ومن واقع الإحساس بالمسؤولية عن نجاح هذه المصالحة) إن المنطق الذي يتحدث به موقع حركة فتح على النت ومواقع أخرى محسوبة عليها حول هذه المصالحة ومبرراتها لا يبشر بخير وإذا جمعنا مع هذه الملاحظة استمرار الاعتقالات في الضفة وتصريحات عدنان الضميري وماجد فرج وأسامة القواسمي المتشائمة والمهددة والمتربصة، فإن من حقنا أن نتوقع أن أشخاصا وجهات لأنهم لا يحسنون التفريق بين رفع السقف السياسي لموقفهم وهو أمر مقبول ومتفهم وبين تحريك الفتنة والتشكيك في أصل المشروع وهو أمر مرفوض ويلقي ظلالا بائسة على المصالحة والمتصالحين، من حقنا في هذه الحالة أن نطالب حركة فتح الحقيقية أن تلجمهم وأن تحيدهم باعتبار وحدة الوطن أولى وأغلى منهم مهما علت رتبتهم، أخشى ما أخشاه أن يتحرك هؤلاء أو يحركهم الاحتلال في الوقت الخطأ وبالطريقة الخطأ وللفعل الخطأ، وقد حدث مثل هذا في التاريخ الإسلامي والعربي كثيرا، خشية أخرى ينبغي أخذها بنظر الاعتبار وعلى الإخوة في فتح أن يتنبهوا لها وأن يطمئنوا الناس بخصوصها، هي الخشية من أن يحرك العدو في لحظة ما مسار التسوية فيقدم عروضا ووعودا تبدو سخية وجدية أو أن يحرك وساطات مقبولة لدى المفاوض الفلسطيني فيستثير ما في دواخله من وما في ذاكرته من ثقافة التسوية وأن يوقعه في المراجحة بين البدائل فينهار التفاهم مع حماس تحت وقائع هذه المعاوضة.. ثم يدخل الشعب الفلسطيني في متاهة انقسام جديد لا يعلم إلا الله مداه وأمده ومترتباته. آخر القول: إن توقيع اتفاق المصالحة وبقدر ما هو أمل رائع وفتح مبين إلا أنه ليس آخر المطاف بالتأكيد، ولا هو محصن من نوايا ومساعي العدو.. لذا فالمحافظة عليه وتنفيذه بأمانة بعيدا عن تدخلات الخبثاء والمتشائمين وأصابع الاحتلال الذين يتحركون دائما بالطريقة الخطأ وفي الوقت الخطأ هو الأولوية بعد اليوم.