08 أكتوبر 2025
تسجيلبيانات إدارة الأزمة اتسمت بالشفافية والمهنية لقد سبق لنا أن بينا في مقال سابق أن الأزمات في الغالب هي أزمات فردية، تلم بفرد أو مؤسسة أو شركة دون سواها، ولا تتسم بصبغة جماعية وشاملة. إلا أنها في حالات نادرة، قد تصيب وتهدد وطناً بأكمله، كالأزمة الأخيرة الناجمة عن فرض الحصار الاقتصادي الجائر على دولة قطر، أما الأزمات الكونية الشاملة والعابرة للقارات والحدود، فهي أكثر ندرة وأعمق أثراً. وقد تقضي على كيانات ودول إذا لم تكن مؤسسات وقيادة تلك الدول ومجتمعها قادرين على إدارة الأزمة. وتقدم أزمة انتشار وباء كورونا المستجد مثالاً لتلك الأزمات، كما أوجدت هذه الأزمة نمطاً جديداً من الأزمات، وهو الأزمة الشاملة المركبة. التي امتدت لجميع أنحاء العالم، وتوسع طيف تأثيرها أفقياً ورأسيا، وهددت النظام العام والمصالح العامة والخاصة في جميع الدول على حد سواء، لذا فإننا نعاود الكتابة مرة أخرى في موضوع الأزمات. ونهدف في هذه المقالة إلى تسليط الضوء على مفهوم الأزمة الكونية الشاملة المركبة، كنمط جديد ونادر للازمات، ونستعرض السياسات العامة في دولة قطر، ومبادرات مجتمع الأعمال والمهنيين، وبروز مؤسسات المجتمع المدني والخدمة المجتمعية والعمل التطوعي بوضوح غير مسبوق، وردود الفعل والالتفاف الجماهيري التي قد تشكل جميعها طوق النجاة للعبور الى بر الأمان. تعريف الأزمة الكونية الشاملة المركبة لا يوجد في الأدبيات أو المراجع المتخصصة، تعريف للأزمة الكونية الشاملة، نظراً لعدم وجودها سابقا. وقد استخدمنا مصطلح "كوني" كمرادف لتعبير "عالمي" للتعبير عن الشمولية. لذلك نعرف الأزمة الكونية الشاملة المركبة بشكل عام، بأنها بروز تهديدات مباشرة، ومخاطر مفاجئة غير متوقعة ضاغطة وداهمة ومستمرة، في جميع الدول والكيانات والأقاليم تهدد النظام العام (الأمن العام، السكينة العامة، والصحة العامة) والمصالح والممتلكات والقيم، والأزمات، لا تكون كونية شاملة ومركبة، إلا إذا كانت أزمة عامة شاملة تضرب العالم بكامله مثل أزمة كورونا المستجد. وعلى الأغلب لا تكون كذلك إلا إذا كانت صحية أو ناتجة عن خطر كوني من الاجرام الكونية. وكغيرها من الأزمات تشمل العناصر التالية: المفاجأة، التهديد، الاستمرارية وضغط الزمن، إنما بمقاييس كونية. بروز الإدارة الرشيدة للأزمة تعتبر إدارة الأزمات اختباراً صعباً للإدارة والقيادة والمجتمع، وتظهر المهارات القيادية الحقيقية، والقدرة على التصرف بسرعة وجدارة، والقدرة على تدوير الزوايا الحادة للأزمة، لإيجاد حلول جذرية للمشاكل الناجمة عن تلك الأزمات، أما الآن وقد أصابت قطر أزمتان متتاليتان: الأولى وطنية تتمثل بالحصار الجائر. والثانية أزمة كونية شاملة كغيرها من دول وكيانات وأقاليم العالم اجمع، وعلى أرض الواقع، فقد اختبرت القيادية القطرية سابقا. في هذا المجال، وذلك إبان الأزمة الأخيرة الناجمة عن فرض الحصار الاقتصادي على دولة قطر. والذي قدمت فيه دولة قطر، وسكانها نموذجاً يقتدى به للادارة الرشيدة، وإدارة الأزمات الوطنية، حيث أظهرت حكومة دولة قطر، مستوى غير مسبوق من الحكمة والتعقل والانضباط والصبر والإيمان، وعدم التعامل برد الفعل أو بالمثل، هذا مما يؤهل القيادة القطرية للنجاح في مواجهة أزمة كورونا متقدمة بذلك على الآخرين في الإقليم. حيث تم تشكيل هيئة عليا لإدارة الأزمات (لجنة)، تتبع لها خلية إدارة الأزمة وهي هيئة فعالة لإدارة الأزمات برئاسة معالي رئيس مجلس الوزراء، وذلك لضمان التزام جميع الوزارات والهيئات والمؤسسات التزاما تاما. تلك الهيئة التي باشرت بوضع وتنفيذ خطط وإجراءات احترازية وقائية وعلاجية بآن واحد. وذلك بالتزامن مع اعتماد الحكومة رزم إنعاش طارئ للشركات والمؤسسات المالية والاقتصادية والإنتاجية والخدمية. ومن بين الإجراءات الوقائية الحيوية، إجراءات الحجر الصحي. ومن خلال تجربتي الشخصية في الحجر الصحي، وعلى الرغم من مرارة فقدان الحرية، أود أن أشيد بجهود جميع العاملين في هذا المجال من أطباء وممرضين، وطاقم الفنادق، والمتطوعين من المواطنين والمقيمين والهلال الأحمر القطري. كما أود أن أشيد أيضاً بكرم الحكومة باستضافة الحجر الصحي وتأمين جميع الخدمات، برأينا لقد نجحت القيادة والإدارة والمجتمع في إدارة الأزمة الراهنة. وذلك من خلال تنسيق جهودها ضمن خطط محكمة، أو مبادرات فردية وجماعية، ردود أفعال عفوية وعقلانية من الجمهور، انسجمت مع تلك الخطط باستثناءات بسيطة. حيث تمكنت القيادة من السيطرة على الأزمة، وذلك بجهد علاجي وعمل تنظيمي قيادي وتنسيقي لتبادل المعلومات والاتصالات بين وحدات القيادة وأجهزة الأمن القومي، والأمن الغذائي، والجيش والشرطة وجهاز الصحة العامة، وطواقم الإسعاف والدفاع المدني والهلال الأحمر القطري، ومؤسسات المجتمع المدني التطوعية وأجهزة الاتصالات والإعلام، وفي هذا الصدد أود أن أشيد أيضاً بالشفافية التي اتسمت بها بيانات إدارة الأزمة، والتي تجنبت إنكار الأزمة أو كبتها، وبالإداء المهني والمتميز للناطق الرسمي باسم لجنة إدارة الأزمات. المسؤولية المجتمعية الشاملة غني عن القول ان أزمة كونية شاملة، تتطلب حشد جميع موارد المجتمع، وتسخيرها لإنجاز المهمة العسيرة، لضمان حماية النظام العام وخاصة الصحة العامة. لذلك ودون تردد تجسدت المسؤولية المجتمعية، بأبهى صورها. حيث قام غالبية أفراد المجتمع مواطنين ومقيمين كل من موقعه بدوره لحماية مصالح المجتمع وممتلكاته وقيمه، والحفاظ على النظام العام، وقد كانت هذه الأزمة اختباراً للمسؤولية المجتمعية، ومدى التزام أفراد المجتمع بالعقد الاجتماعي العرفي. وقد شكلت هذه الأزمة منصة لانطلاق المسؤولية المجتمعية. كما شاهدنا ولأول مرة اندماج المسؤولية المجتمعية في منظومة الأمن القومي. وفي هذا الصدد أود أن أشيد أيضاً، بمبادرات مجتمع الأعمال القطري، والمهنيين، وأخص بالذكر بعض مكاتب المحاماة التي باشرت بتقديم خدماتها المجانية. كما أود أن أشيد أيضاً بالانضباط العام الذي أظهره سكان دولة قطر من مواطنين ومقيمين، بمبادراتهم المتعددة والمتممة لخطط مواجهة الأزمة، على الرغم من قسوة الأزمات، إلا إنها تحصن الكيان أو الدولة التي تضربها، وترفع من مناعتها تجاه أزمات جديدة. إذا ما تم إدارة الأزمة من قبل هيئة قيادية مؤهلة بمشاركة جميع أفراد المجتمع وهذا واقع الحال في دولة قطر، حيث تم التعامل مع الأزمة بمهنية وفاعلية وجدارة لاحتواء الأزمة والإبحار في خضمها إلى بر الأمان، كما ورد في القرآن الكريم "إِنَّ خَيرَ مَنِ استَئْجَرْت الْقَوِي الأَمِينُ" (القصص 26). ولن يتبقى من الأزمة إلا الدروس والعبر، التي يجب أن نتقن تعلمها لنتقي تكرار الأزمات مستقبلاً. كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِن جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ".