24 نوفمبر 2025
تسجيلنقول أحياناً: فلان ما يحترمنا أو ما يسلم علينا، وقد يقول آخرون: لي أصدقاء أزورهم ويقطعوني، وأنا الذي علمتهم، فلماذا لا يفعل الناس معي كذا وكذا..؟ والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا نسأل من المقابل ونحن نرجو وجه الله، فالعارف بالله لا يطالب ولا يعاتب الآخرين على الثناء والشكر، ولنتذكر الآية الكريمة في سورة الإنسان (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً)، فإن قالها: هذا بينه وبين الله، وإن لم يقل لنا جزاك الله خيرا، فالله وحده هو العالم، وجدير بالشكر والحمد، فلا ننتظر كلمات الإطراء والتقدير من أحد، فأعطِ من حرمك واعف عمن ظلمك، وصل من قطعك، وسامح من شتمك، وكن معطياً لا آخذاً برغم الصعوبة التي تواجهنا في الحياة وسوء التعامل، الذي نتلقاه من البعض، فيولد العطاء أحياناً من رحم المصائب.. وقد يراك البعض تقياً وقد يراك آخرون مجرماً وما إلى ذلك، لكن الحقيقة أنك أنت أدرى بنفسك، فالسر الوحيد الذي لا يعلمه غيرك هو سر علاقتك بربك، فلا يغرنَّك المادحون ولا يضرنَّك القادحون، لأن الحقيقة تقول: "بل الإنسان على نفسه بصيرة" وخطورة العيش بين الطاعة والمعصية، أنك لا تدري في أي فترة منهما ستكون الخاتمة، فلنفعل الطاعة إخلاصاً لا تخلصاً، ولنحافظ على صلاة النافلة تقرباً لا تكرماً، فنحن إلى طاعة الله أحوجٌ، وربنا سبحانه وتعالى غنيٌ عنها، فلا تجعل همك حب الناس، فقلوبهم متقلبة، قد تحبنا اليوم وتكرهنا غداً، ولكن إن أحبنا الله جعل أفئدة الناس تحبنا، والحرام يبقى حراماً حتى ولو كان الجميع يفعله، وسوف نحاسب وحدنا، فلنستقم كما أمرنا الله لا كما رغبنا، ولنجعل لأنفسنا خبيئة سريرة لا يعلمها إلا الله، فكما أن ذنوب الخلوات مهلكات، كذلك حسنات الخلوات منجيات، قال أحد العلماء: إني أدعو الله في حاجتي، فإذا أعطاني إياها فرحت مرة، وإذا لم يعطني إياها فرحت عشرات المرات، لأن الأولى اختياري، والثانية اختيار الله علام الغيوب، فجميلةٌ هي الثقة برب العباد، وفي كثير من الأحيان نقول لأنفسنا لماذا يحدث ذلك لنا؟ (لأن الله يعلم ونحن لا نعلم)، وخروج بعض الناس من حياتنا أو دخولهم إليها، هي رحمة من ربك قد لا ندركها إلا مع مرور الوقت، فالأعوام تغير الكثير، وتبدل تضاريس الجبال، فكيف لا تبدل شخصيات البشر، ولو علمنا كيف نغرق في الأجر بعد المحن، لما تمنينا سرعة الفرج، فلم يأخذ الله منا إلا ليعطينا، فلنستقبل الأقدار بقول: الحمد لله، حيث كان السلف الصالح يتواصون بثلاث كلمات، لو وزنت بالذهب لرجحت، فالأولى: من أصلح ما بينه وبين الله اصلح الله ما بينه وبين الناس، والثانية: من أصلح سريرته أصلح الله علانيته، والثالثة: من اهتم بأمر آخرته، كفاه الله أمر دنياه وآخرته، فأشد أنواع الخسارة أن تكون الجنة عرضها السموات والأرض، وليس لنا مكان فيها، ولنغتنم الحياة فهي زادنا، سألوا حكيماً: ما هي أجمل حكمة؟ فأجاب: لي سبعون عاماً أقرأ فما وجدت أجمل من أن مشقة الطاعة تذهب، ويبقى ثوابها، وإن لذة المعصية تذهب ويبقى عقابها، وكل إنحناء قد يُؤلم ظهرك، إلا إنحناءات الصلاة، فهي ترتقي بالروح وتسمو بالنفس وتطيب القلب، وحتى نسعد علينا بالعين التي ترى الأجمل، والقلب الذي يغفر الأسوأ، والعقل الذي يفكر بالأفضل، وروحاً يملؤها الأمل.