10 سبتمبر 2025

تسجيل

أرواح غاضبة.. وخلف آل خلف (1-2)

06 مارس 2020

في السنوات الأخيرة طرحت دور النشر عددًا هائلاً من الأعمال التي تحمل صفة الرواية، وكان نصيب الحراك الإبداعي المحلي مثمرًا، من حيث الكم وليس الكيف، لأن القارئ أصبح واعيًا الآن.. ففي مجال الشعر تم طرح العديد من الدواوين وكان النقد الأدبي بمعزلٍ عن تناول تلك الأعمال سواء ما طرحته مخيلة المبدع القطري أو المقيمين على ثراها، أما الروايات فإن النادر منها ما استوقف القارئ المحلي، مع أن الواقع الثقافي قد ساهم بدورٍ هام في طرح العديد من الأسماء، ولا يقتصر الأمر على مجال ما هو مرتبط بالأدب، ولكن في شتى المجالات. في رواية "أرواح غاضبة" يذهب الكاتب الشاب "خلف آل خلف" إلى شكل روائي يتمثل في طرح رواية ذات ارتباط عضوي بالغموض والرعب، مع أن مجاله العلمي لا يقترب من عالم الأدب والفنون، ولكن هذا الإطار ليس بمستغربٍ في إطار الإبداع العربي والعالمي، ذلك أن العديد من المبدعين العرب وفي مجال العلوم قد ارتموا في أحضان الأدب، وبلغت شهرتهم في مجال الإبداع القمة.. نعم كان ارتماؤهم في مجال الأدب والفكر والفن محفوفًا بالتبجيل والتكريم.. من ينسى مثلاً الملحن الطبيب الذي كان السّباق في خوض غمار التلحين لسيدة الغناء العربي أم كلثوم وأعني (صبري النجريدي) ..ومن ينسى الطبيب الآخر شاعر الأطلال "إبراهيم ناجي" وكيف بزغ نجمه عبر الشعر مع أنه كان طبيبًا ممارسًا..!! من ينسى مثلاً "يوسف إدريس، ومصطفى محمود، وأمير تاج السر، وعشرات الأسماء".. ليس المجال هنا لحصرها.. لذا فلا غرابة أن يقتحم خلف آل خلف هذا المجال وأن يقع في هوى الفنون والإبداع، فن القصة من جهة وفن اللون والظل والنور.. وتأليف المسرحيات والسيناريوهات للأفلام القصيرة والمسلسلات الدرامية.. وهذه الرواية "أرواح غاضبة" مولوده الثاني.. بعد أن اقتحم هذا المجال. في هذه الرواية.. عوالمه وشخوصه تحمل الكثير من الغموض وتخلق لدى القارئ مجالات عدة تمتزج بين المعقول واللامعقول، غموض مرتبط بالرعب.. بين الواقع والمتخيل.. الكاتب هنا يمزج الأحداث بإطار فنتازي بين العديد من الأماكن.. بين المنطقة هنا وأوربا وبلاد الهند.. أبطالها السحرة والشياطين والمتعاطون مع فنون الغيبيات.. مع أن الطرح في مجمله مرتبط بالرعب كشكل جديد يقتحمه الكاتب الشاب.. عالم فنتازي وإن كان قريبًا من واقع معاش في مخيلة القارئ. أعتقد أن ما يميز هذه الرواية أنها تحمل فضل الريادة لمؤلفها الشاب في اقتحام هذا المجال، هذا لا يعني أن "أرواح غاضبة" في اقتحامه قد سبق الآخرين.. ذلك أن هذا الإطار قد غلف العديد من الأعمال في الشرق والغرب، بل إن هذا الإطار قد خلق جمهورًا في إطار السينما على وجه الخصوص. من ينسى مثلاً ما قدمه المخرج العالمي هيتشكوك؟ وأعمال أجاثا كريستي.. نعم هناك رعب وهناك غموض.. وهناك سلسلة من الأعمال التي تحمل عناوين عدة: البيت المسكون.. الشرير.. اللعنة.. طارد الأرواح الشريرة.. المنشار SAW .. دراكولا.. البيت المهجور.. بيت السجن.. الجزيرة المسكونة.. الدمى القاتلة.. الطفلة والوحش الخطير.. مزرعة تشارلي.. المحيط الأسود.. الطريق إلى الجحيم.....الخ أما ما قدمه الكاتب والروائي الأمريكي "ستيفنج كنج" فحدّث ولا حرج لأنه واحد من أساطين الرعب في إطار الرواية، ويتسابق الجميع في تجسيد أعماله في أعمال سينمائية تدر عليهم الملايين وينتظرها ملايين القرّاء.. حتى أصبح بحق سيد الإثارة والرعب والتعقيد.. حتى الشاشة الصغيرة اعتمدت على روايات "كنج" لماذا؟ إن هذا الروائي يملك موهبة خاصة في أن ما يطرحه يشكل إطارًا مغايرًا للمألوف.. شخصيات غريبة لها قدرات خاصة وقوى هائلة، وأرواح خفية، وعالم الأشباح والماورائيات والرعب.. وهذا ما ذهب إليه "خلف آل خلف" نماذج مثل "ظام"؟ من هو؟ يظهر ليختفي.. ما دور والد شاهين؟ ولماذا غاب أخيرًا "عزيز"؟ كل هذا يجعل القارئ يعيش لحظات من التوتر؟ لماذا لم يظهر العم "قيس" منذ البداية؟ من هي وجد؟ يحمل القارئ عند راوينا القطري في ذاكرته مئات الأسئلة حول كيف؟ ولماذا؟ ويبحث عن المضامين.. إن الكاتب هنا لا يبحث عن أبعاد فكرية أو فلسفية.. ولكن يقدم نماذجه التي تكون حاضرة في ذاكرته من قراءات عدة ومشاهد من أعمال سينمائية أو التقطها من الآخرين مثل أسماء الشياطين والكهنة والسحرة في بعض المدن التي يغلف سيرتها بالغموض سواء في منطقتنا أو في مدن عربية أخرى دون دليل مؤكد وثابت. القارئ وهو يعيش مع شخوص "أرواح غاضبة" لابد وأن يلغي من ذاكرته الإطار الواقعي، فقط عليه أن يعيش مع الشخصيات وأن يستمتع بالفنتازيا وأجواء السحر والشعوذة ولا يطرح على ذاته لماذا شخوص تحضر أو تغيب.. أو تموت؟! [email protected]