13 سبتمبر 2025

تسجيل

الحريري في قلب الرياض

06 مارس 2018

عبثاً أن تطالب الرياض ألا يكون لحزب الله اي تمثيل برلماني يليق بثقله، وهو الثقل الذي رسمه بالدم وعجز عن تحجيمه خصوم الحزب في الداخل والخارج!  صحيح أن الحزب هو أداة إيرانية بامتياز استخدمتها طهران وما زالت في سياق حروب الوكالة، وعليه نتفهم مخاوف دولة بحجم السعودية من دور الحزب في مجمل موازين القوى الإقليمية. غير أن القضية برمتها تتجاوز الحسابات الإقليمية المعقدة وتندرج تحت إطار التدخل في شؤون لبنان الداخلية ومحاولة تفجير الساحة هناك. الشعب اللبناني برهن المرة تلو الأخرى بأنه أكثر وعياً من أن ينزلق في مواجهات داخلية دونكيشوتية لا يخسر فيها سوى لبنان، بمعنى أن اللبنانيين يرفضون أن تتحول بلادهم إلى ساحة تتصارع فيها قوى إقليمية وهي قوى لم تدخل بلداً إلا وسببت الويلات لشعبها كما يحدث في العراق وفي سوريا. لكن كيف يمكن قراءة زيارة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى الرياض التي اجبرته على الاستقالة قبل أربعة أشهر والذي لولا رعاية الله ثم تدخل قوى كبرى لربما بقي محتجزاً؟ المنطق يقول ان على سعد الحريري أن يتجنب زيارة السعودية التي يعتقد أغلب اللبنانيين وبخاصة أنصار الحريري أن استقالته كانت بضغط كبير من الرياض. حسابات الحريري مختلفة ويبدو أنه يتمتع بذكاء عاطفي جعله يتجاوز مرارة الاحتجاز والاستقالة القسرية. فالحريري بهذا المعنى لا يريد أن يخسر دعم الرياض لأن له حسابات اقليمية وداخلية أيضا لكنه هذه المرة يأتي من موقع قوة بعد أن فوّت على السعوديين مسألة الاستقالة. الرياض بدورها تسعى لاعادة التوازن إلى سياسة لبنان الإقليمية لعلها تلتزم بسياسة النأي بالنفس عن صراعات المنطقة، والحق أن تحقيق هذا المطلب هو في صالح اللبنانيين بشكل عام غير أن تنفيذه يستلزم مواجهة مع حزب الله الأمر الذي لا تقدم عليه حتى قوى اقليمية بحجم إسرائيل فما بالك بحكومة لبنانية لا يمكن أن تمتلك شرعية الحكم إلا بالحفاظ على توازنات داخلية دقيقة؟! فمسألة إلحاق هزيمة بحزب الله تتطلب أكثر من سعد الحريري الذي يدرك بأن تمرين الاستقالة لسحب الشرعية والغطاء الرسمي من حزب الله له ثمن كبير لا يبدو أن الحريري وتيار المستقبل قادران على مجرد التفكير به. فلنا أن نتخيل لو أن الرياض على سبيل المثال لم تدخل في مغامرتها غير المحسوبة في اليمن أو أنها لم تنفق أموالها على الثورات المضادة وكرست جزءا من هذا الجهد للملف اللبناني، كيف سيكون عندها الحال؟ طبعا، هذا سؤال افتراضي لكن كان على السعودية أن تستوعب أن إيران استثمرت كثيرا في وكلائها وبشكل استراتيجي مما استنزف خصوم إيران ومنح إيران انتصارات بالجملة. وعلى العكس من إيران أقامت السعودية تحالفات تكتيكية تنتهي بانتهاء المهمة، لذلك لا تجد طلبا اقليميا على تحالف مع الرياض وهذا بدوره أحبط جزءا من اللبنانيين الذين لا يعوّلوا كثيرا على الخطابات الانشائية والدعم المالي البسيط الذي يأتي من الرياض. ربما لن ينسى اللبنانيون أن وليّ العهد السعودي حاول خلق فتنة لبنانية داخلية بعد تمرين الاستقالة الفاشل وربما لن ينسى قادة الجيش اللبناني أن السعودية اوقفت دعمها للجيش في فترة حرجة،  لأن السعودية لا تنظر إلى لبنان أكثر من ساحة لتصفية حساباتها الاقليمية،  الأمر الذي اثار حفيظة الكثير من اللبنانيين. باختصار، زيارة الحريري لن تغير من التزام اللبنانيين باستقرار بلدهم ارضاءً لأي طرف اقليمي، والحريري بهذا المعنى يبعث برسالة واضحة بأنه حكومته مستعدة للتعامل مع الجميع بشكل يحفظ مصالح لبنان بكل اطيافه وأن زمن التنمر على اللبنانيين قد ولى.