13 سبتمبر 2025
تسجيلمنذ سنة، رفعت الإدارة الأمريكية اسم حزب الله، وإيران معه، من لائحتها الخاصة بالإرهاب! حصلَ هذا في وقتٍ بلغ فيه انغماس الحزب المذكور قمةً غير مسبوقة في قتل السوريين على أوسع دائرةٍ ممكنة من الأرض السورية، بعد أن كانت أفعاله قبل ذلك تقتصر على مناطق محددة بعينها.ولكي نفهم هذه الظاهرة، ونفهم معها الأهمية الاستراتيجية لخطوة دول مجلس التعاون الخليجي في تصنيفه الحزب كمنظمةٍ إرهابية الأسبوع الفائت، يجب أن نعود إلى ملابسات التعريف الأمريكي للإرهاب، ومقاييسه.فالتقرير الذي يقدمه سنوياً مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية يقوم بشكلٍ حصري على إعداد "قائمة التحديات الإرهابية التي تواجه الولايات المتحدة". والمعنى الواضح من ذلك يتمثل في أن الحسابات المتعلقة بمن يكون أو لا يكون على قائمة الإرهاب تتعلق حصراً بتقديرات المصالح الأمريكية، حسبما تراها الجهات المختصة. وهذا يعني أن تهديد مصالح الدول الأخرى، بما فيها دولٌ يمكن اعتبارها حليفة في كثير من الأحوال، لا يدخل في حسابات تركيب القائمة المذكورة. أي أن على هذه الدول، في نهاية المطاف، أن "تقلعَ شوكَها بأيديها" ولا تعتمد، عملياً، على ما يمكن أن يترتب على القائمة الأمريكية من قرارات وسياسات.يجب الانتباه هنا إلى أن التقرير المذكور، المقدم من هيئة استخباراتية كبرى، لا يمكن أن يعتمد على مجرد عملية إحصاء واستقراء من بعيد لحالة التنظيمات وتصرفاتها وعملياتها، فلو كان هذا الحال لأضحى حذف اسم حزب الله، وإيران، من القائمة في التقرير المقدم بتاريخ 26 فبراير / شباط من العام الماضي 2015 غريباً وغير مفهوم. ببساطة، لأن التقرير نفسه أوردَ الحزب على قائمة التنظيمات الإرهابية عام 2014، وقَبلَها منذ عام 2011 باستمرار، مبرراً هذا بأن "نشاطه الإرهابي العالمي في السنوات الأخيرة زاد إلى مستوىً لم نشهده منذ التسعينيات" بالحرف.ماذا تغير إذاً في سنةٍ واحدة؟ يُظهرُ الاستقراء المنطقي أن حذف اسم الحزب، وإيران، من القائمة عام 2015 جاء في معرض ترتيباتٍ أكبر تتعلق بمُجمل التفاهمات الأمريكية مع إيران وأدواتها في المنطقة. وليس من قبيل المبالغة أن تكون ثمة تعهداتٌ جدية، بكل مقتضياتها العملية، من قبل الحزب وراعيته، هي العاملَ الرئيسَ في هذا التغيير الغريب في الموقف خلال عامٍ واحد. توخياً للدقة، يجب التنبيه إلى أن حزب الله لا يزال يُعتبرُ إرهابياً على القائمة التاريخية لوزارة الخارجية. ورغم أن من الواضح أن ثمة أسباباً تكتيكية لوجود قائمتين أمريكيتين، إلا أن الوقائع تؤكدُ أن السياسات العملية المتعلقة بهذا الموضوع تُبنى وفق القائمة الأولى المذكورة أعلاه.المفارقة أن التقرير لم يأتِ على ذكر حزب الله إلا مرةً واحدة، وجاءت في معرض القول بأن الحزب يواجه تهديدات من جماعات متشددة سنية مثل (داعش) و(جبهة النصرة). مع الإشارة إلى جهود إيران في محاربة "المتطرفين السنة"، ومن بينهم مقاتلو "تنظيم الدولة الإسلامية" الذين لا يزالون يُشكلون أبرز تهديد إرهابي على المصالح الأمريكية في العالم" حسب التقرير.المفارقة أيضاً أن أوروبا لم ترغب في وضع الحزب على قائمة التنظيمات الإرهابية على مدى السنوات السابقة، وكان أقصى ما فعلته، بعد مناقشات طويلة، وضع ما سُمي "الجناح العسكري لحزب الله اللبناني" على قائمة المنظمات الإرهابية، وكأن الفصلَ الدقيق ممكنٌ بين هذا الجناح والمنظمة الأم! وتمﱠ هذا في منتصف عام 2013، أي بعد شيوع العلم بالممارسات الإرهابية للحزب في سوريا والعراق وغيرهما.باختصار، كلٌ يبحث عن مصالحه في هذا العالم، حتى حين يتعلق الأمر بموضوع الإرهاب الذي يُجيَشُ العالَمُ للتوحد حول محاربته. ورغم ضرورة أن يحصل هذا عملياً، لكن درجة الشعاراتية والتوظيف من جهة، والازدواجية والنفاق من جهةٍ أخرى، في التعامل مع الموضوع لا تترك مجالاً للدول العربية، بقيادة السعودية ودول الخليج، سوى التعامل معه بما تقتضيه، ليس فقط مصلحتها، بل الحد الأدنى من مبادئ الإنسانية وأخلاقياتها.فمنذ أقل من عشرة أيام، صَنف من يُسمى "مرشداً" للثورة الإسلامية في إيران الشعب السوري كله بالكفر قائلاً: "إن جنودنا يطلبون الإذن للقتال في جبهة الإسلام ضد جبهة الكفر هناك". فأيﱡ شيءٍ يمكن أن يكون توصيفاً للإرهاب بالكلمة والفعل، وسبباً له، ومدعاةً لمحاربة أهله، أكثر من هذه التصريحات.للقرار الخليجي، والعربي، إذاً تبعات ودائل كثيرة على المستوى الآني والاستراتيجي، وفيه رسائل يجب أن تصلَ إلى المعنيين.فالحرب على الإرهاب في سوريا، والعراق وغيرهما، باتت رسمياً وقانونياً تتضمن الحرب على حزب الله وعصاباته الموجودة فيها بأسماء مختلفة، وهذا ما سيحصل عاجلاً أو آجلاً. والدولة التي ترعى، جهاراً نهاراً، تنظيماً إرهابياً يجب ألا تتوقع سوى الردع والعقوبة بكل الطرق والوسائل. والدولة التي ترضى بأن يكون تنظيمٌ إرهابي أحد مكوناتها السياسية يجب أن تراجع كل ما له علاقة بالموضوع. والدولة التي تستقبل وفداً لمنظمةٍ إرهابية وتقيم علاقات معها يجب أن "تتحسس البطحة التي على رأسها". وعشرات الآلاف الذين يأكلون من خير الخليج ثم يُرسلون أموالهم لدعم منظمةٍ إرهابية بشكلٍ مباشر وغير مباشر يجب ألا يلوموا إلا أنفسهم في مصيرهم القادم.بل إن كل الحركات والتنظيمات التي تعمل في المنطقة، بشكلٍ ميليشياوي، حتى لو كانت حركتُها مشروعةً الآن لسببٍ أو آخر، إلا أنها مدعوةٌ لإعادة النظر في طريقة عملها في المستقبل القريب قبل البعيد، حيث لم يعد ثمة مكانٌ لمثل هذا النوع من الوجود الذي لا يحفظ أمناً ولا يوفر استقراراً للشعوب، ولا يؤدي إلا إلى الفوضى الشاملة. ومن المنطقي للجميع التركيز على مفهوم (الدولة) كهيكلٍ سياسي ناظمٍ لحركة المجتمعات، وهو ما يضعُ، بدورهِ، مسؤولياتٍ كبرى على الدول نفسها لترتقي إلى القيام بمقتضيات هذا الدور.