14 سبتمبر 2025
تسجيلقال صديقي.. عندما أرى حال الأمة وما يقع عليها فإنني أحيانا أحس باليأس، ثم أشعر بالغضب من نفسي عندما أخجل وأتردد في الإفصاح عن ذلك حتى لأقرب من حولي.. لا أريد أن أبدد فرحتهم بالثورات، وأملهم في أن تتمكن من إعادة ترتيب بيت الأمة، وأن توصلنا لطموحات الحرية والعزة والتمكين التي طالما حلمنا بها، حتى رأينا بشائرها لبعض الوقت قبل أن ينقلب سارقو الثورات عليها أخيرا.. ثم قال: أين نحن من هذه الآمال والطموحات؟ وهل علينا أن نظل على الخجل والتردد، أم نتهيأ ونهيئ من حولنا لتقبل الأمر الواقع بحقائقه المرة وأوشحته السوداء؟ فقلت له: أما أنا فلست أخجل من الإقرار بأن بعض اليأس يداخلني كما يداخلك، ولن أتردد في الإفصاح أن بعض الخوف والضعف يخالجني كلما اشتدت الأمور على إخواننا في فلسطين أو في مصر أو الشام أو ميانمار أو أواسط إفريقيا.. وقد شعر بذلك قبلنا من هم أفضل وأزكى وأوثق بموعود الله تعالى بالنصر منا (الأنبياء والمرسلون الكرام)، وقد قال رب العزة: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ). بل إن هذا الإحساس علامة يقينية على أن القلب عامر بالولاء لدين الله تعالى، والإخلاص للأمة، والوفاء للوطن والعروبة والانتماء للجنس الإنساني! وهل فيه فهم أو علم أو وعي من يجهل أو يتجاهل هذا الواقع البائس؟ وهل فيه ذرة إنسانية من لا يغيظه هذا التمادي في الباطل والجاهلية؟ ولكن هل هذا السواد والسوء الذي نراه هو كل الصورة؟ وهل الأمور مقطوعة عن مسار الأسباب والمسببات التي أقام الله تعالى نظام الكون كله عليها؟ أم ثمة ما يجب أن نتذكره وأن نستعيد به ذاتنا ووعينا ونرى به الأمور بإجمالها وإستراتيجياتها؟ وأقول: إن كان الذي ييئسنا أحيانا أن الأمور لا تتغير بسرعة لصالح الحق ودين الله تعالى وشرعه؛ فلنتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم لخباب بن الأرت رضي الله عنه: "ولكنكم تستعجلون"، ثم نسأل أنفسنا: أليس الحق الذي ندافع عنه هو حق لله أولا وأخيرا؟ وأليس الله تعالى له الملك كله وبيده الأمر كله، وهو المطلع على السر وأخفى والعزيز القاهر والقادر على إنصاف دينه وعباده من أعدائه؟ أليس يرى الشرعية المسفوحة في مصر مثلا ويرى ثورتها تسرق والسلميين يذبحون بالعشرات والمئات والآلاف؟ ويرى يتولى عليها الفسدة والمشعوذون والمغيبون المهرطقون والفئويون والطائفيون والفاشلون المنحكمون لهوى أعداء الأمة والمتحركون في مداهم؟ أليس سبحانه يرى فلسطين يحتلها وينتهك حرماتها ومقدساتها منذ سبعين سنة أو يزيد بضعة ملايين من شذاذ الآفاق الذين لم تقم لهم قائمة حقيقية في التاريخ منذ وجدوا إلا على رقابنا وبأكتاف زمرة العاقّين من أبناء أمتنا؟ أليس وأليس وأليس.. فإن كان سبحانه يرى كل ذلك – وهو يراه حقيقة - فَلِمَ اليأس ومم اليأس؟ وإن كان الذي ييئسنا أحيانا أننا نرى كثيرين من أمتنا ينساقون ضد الحق بغوغائية بعض الإعلاميين الكذبة والمستأجرين.. فلنتذكر أننا على الحق، وعلى دين الله تعالى وعلى المقاومة والشرعية والسلمية وعلى الحرية واحترام شعوبنا وعلى الولاء لأمتنا وعلى الديمقراطية الحقة؛ فإن مضينا إلى الله تعالى – وسنمضي ذات يوم قريب أو بعيد – بهذه العدة والله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)، إذن.. فما الذي يضيرنا، وما الفرق بين أن نعيش في الدنيا البليدة الغليظة القصيرة بعذاباتها أو بإنعاماتها إلا فارق الحس الآني الزائل!! وإن كان الذي ييئسنا أن الأمة تخسر أحسن شبابها، وتقدم خيرة قادتها، في أتون معركتها هذه؛ أفلا نرى في المقابل أن الأمة تغيرت قناعاتها تجاه ذاتها وهويتها وتجاه احترامها لذاتها؟ لقد صارت ترى حقها في الحرية ككل الشعوب! وفطنت لخط التاريخ الذي تاهت عنه لعقود أو لقرون حتى الآن، فلماذا لا نستبشر خيرا ونحن نرى شبابها الذين هم رصيدها الفطري وصناع مستقبلها، والذين تآمرت عليهم قوى الخارج ونقائص الداخل والذين بذلت الأموال ووضعت الخطط واستجلبت السياسات من أجل تتفيههم وتعبيثهم وتعديمهم؛ نراهم اليوم يمارسون الثورة والفدائية والوطنية في أعلى وأجلى صورها فيَقتلون ويُقتلون (بفتح الياء ثم ضمها)، ثم لا تلين لهم قناة ولا تتردد لهم عزيمة.. وإن كان الذي ييئسنا أننا نرى على وجوه أعدائنا لمعة الراحة، ورياش النعومة، ومن حولهم المنافقون والأفاكون، ومن وراء ذلك أعداء الأمة الرسميون والتاريخيون يدعمونهم ويحرضونهم على سفك الدماء؛ فلماذا لا نرى الهموم والغموم والأخواف التي تحيق بهم؟ ولماذا لا نلمح فوق رؤوسهم الذل وفي أجوافهم نجاسة الارتكاس وخراب الذمة؟ ألم يقل الله تعالى ذات يوم عن قوم يشبهوننا وقوم يشبهونهم: (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون). آخر القول: كل الأمم تقدم التضحيات لتظفر من حاضرها بخط مستقبلها؛ وما من أمة بلغت، قديما ولا حديثا، مجدا إلا على عشرات الآلاف وعلى الملايين من أزكى دماء أبنائها، فلا يظنّنّ ظانّ أن أمتنا يمكن أن تنهض استثناء على قانون (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )..