01 أكتوبر 2025

تسجيل

جدلية العلاقة بين صانع القرار وواقع دولة الاستثمار

06 مارس 2013

إستراتيجية إشراك المواطن في أصول الدولة من بداية شركة صناعات وبعدها ناقلات وبروة وغيرها، خلق ثقافة عامة استثمارية وجعلت المواطن شريكا إستراتيجيا للدولة، ومع الوقت جاء الطرح الأخير للدوحة للاستثمار ليعمق ويوسع تلك الشراكة ومعها ثقافة الاستثمار، ومما لاشك فيه أن هناك أسبابا أخرى مهمة لخلق ثقافة استثمارية تبني عليها الدولة اقتصادا يتلافى معوقات الاقتصاد، والتي تتمثل في ضيق السوق وغياب التشابك الصناعي وصغر مساحة الدولة وقلة السكان واختلال التركيبة السكانية، وندرة الأراضي الخصبة وتغلب البيئة الصحراوية وشح الأراضي الزراعية ومصادر المياه.. وفي المقابل وفرة رأس المال وطاقات شابة متعلمة في أفضل الجامعات. بالإضافة لتطلع المواطن لبيئة نظيفة وصحية، كما تعالج هذه الإستراتيجية مشكله أخرى هي عدالة توزيع الدخل. ولذلك فإن طرح أسهم شركات تدر على المواطن دخول مجزية هي الآلية الأفضل لتوزيع الدخل وهي مشكلة واجهت كل الأمم. ولكن خيار إدخال المواطن في شراكة فعلية مع الدولة في أصول قائمة ومنتجة هو الأفضل بين جميع تلك الرؤى والإستراتيجيات، وحلت هذه الإستراتيجية بدل حل استقطاع ضريبي، فبدل سن قوانين ضرائب ارتأت الحكومة منح المواطن أوعية استثمارية تساعده على تنويع دخله وتمكنه من الحصول على دخول لا يستطيع تحقيقها المستثمر الصغير، ومنها أيضاً هدف امتصاص السيولة الفائضة حتى لا تحدث ردات فعل في الاقتصاد تعيقه مثل التضخم وهذا تحصين للاقتصاد بشكل مسبق وقبل حدوث اختناقات، لقد مرت الأمم في مراحل عبر الزمن أعطت سمة لبنية المجتمعات الإنسانية، فبداية كانت سمة تلك المجتمعات، مجتمعات صيد وبعدها رعوية وبعدها زراعية وفي بعض المناطق دخلت الاقتصاد الإقطاعي، ثم انتقلت للاقتصاد الصناعي وبعده الاقتصاد الخدمي، وبعده ما سمي باقتصاد المعرفة ولكن نعتقد أن هناك مرحلة تسبق ذلك وهي الاقتصاد الرقمي، وهكذا طبعت الدول صفة المرتكزات التي تؤسس الاقتصاد، وكانت صفة الاقتصادات النفطية أول ما طبع اقتصادات المنطقة، ومن ثم جاء الغاز ليحول سمة بعض الدول إلى دول غاز، ومن ثم تم توسيع التعريف إلى دول طاقة وهو التعريف الأوسع، وهذا يسمح للمشرع وصاحب القرار أن يحيط بتقنيات وفضاءات ما كانت لتدخل حيز تفكيره لو لم يتم توسيع نطاق التعريف، فمثلا في اقتصاد الطاقة يمكن أن تكون هناك توجهات لإدخال الطاقة البديلة، ولكن في اقتصاد النفط قد يكون من الأجدى محاربة تلك التوجهات لأنها منافس قوي للنفط والغاز، ولذلك فإن تعريف ماهية الاقتصاد تمكن من توجيه الإمكانات والجهود في الطريق الصحيح والأكفأ. إن رؤية دولة الاستثمار تملكت صاحب القرار وهي رؤية أساسية تعالج الكثير من الإشكالات البنيوية في إيماءة صادقة، هذه الشراكات تعالج تبعات قرارات إستراتيجية مثل التدفقات النقدية بعد الاستثمارات الكبيرة في مشاريع الغاز، والتي خلقت فائضا لا يمكن استثماره في الاقتصاد الوطني وأحدثت اختلالات إيجابية كبيرة في بنية الاقتصاد، ولذلك الحاجة للصندوق السيادي، والذي من شأنه أن ينوع دخل الدولة جغرافيا وقطاعيا ويعمل في دورات اقتصادية مختلفة ويستفيد من ميزات نسبية لدول مختلفة، و قد مكنت هذه الفوائض المالية من خلق طموح عملاق في بناء دولة حديثة تشارك العالم العربي والعالم أجمع وتساهم في الاقتصاد العالمي، فكأس العالم والفوز باستضافته يحتم الاستثمار بشكل غير مسبوق في البنية التحتية المحلية، وفي هذه الحالة لا بد من امتصاص ما ينتج عن ذلك من ضغوط تضخمية في الاقتصاد والحل الأفضل طرح شركات تمتص الفوائض المالية وتوظفها خارج الدولة، ولكن ما هو أبعد من ذلك أنه أصبح هناك إيمان عميق أن الدولة أخذت الصفة الاستثمارية كأهم مرتكز للدولة، إن كان بسبب الصندوق السيادي وحجم الاستثمارات أو بسبب ضيق السوق وعدم قدرة السوق لاستيعاب حجم التدفقات النقدية، أو الحاجة لتنويع الدخل للدولة والفرد وهذه غاية سامية بالتطلع ولوضع الاقتصاد الوطني وارتكازه على مصادر الطاقة الكربونية، ولذلك فإن التنويع في الأدوات الاستثمارية والتنويع الجغرافي يمكن الدولة والمواطن من خفض المخاطر من الدورات الاقتصادية أو الكوارث الطبيعية أو الصدامات بين البلدان أو الاضطرابات الشعبية أو التحولات في تقنيات الطاقة البديلة. وأيضا تجنب الدولة والمواطن أي تغيرات تقنية أو أساسية في عمليات الإنتاج وأي تحولات هيكلية في الاقتصاد العالمي كما يحدث بشكل دوري، وأخذ دور الدولة الاستثمارية يعطي الدولة المرونة أيضا في حال عصفت التحولات والتغيرات في قطاع أو اقتصاد دولة معينة، فستكون الدولة قادرة على إعادة هيكلة استثماراتها والانتقال من قطاع إلى قطاع ومن دولة إلى دولة، وسيتعاظم دور الاستثمار في الدولة مع مرور الزمن ويتراجع دور الطاقة الكربونية، وهكذا فإن دور دولة الاستثمار دور يجعل من أصول الدولة داعما حقيقيا للتنمية منخفض المخاطر، مفهوم دولة الاستثمار مهم لأنه في حال طرح للنقاش والحوار وانتهينا إلى أن تعريف الدولة على أنها دولة استثمار هو الأجدى في هذه المرحلة القادمة، سيمكن من وضع رؤية واضحة لما تحتاج الدولة والمواطن من مشاريع وتوجهات في إطار مفهوم دولة الاستثمار، وقد يكون نموذج الاقتصاد البريطاني هو الأنسب في الوقت الحاضر والبناء عليه وتطويره فالاقتصاد البريطاني يعتمد الخدمات المالية كأحد أهم المحركات للاقتصاد البريطاني، ولذلك فإن العناية والتركيز على القطاع المالي وتنميته سيكون على رأس قائمة الأولويات.