22 سبتمبر 2025

تسجيل

حديث التهويل والتجميل

06 مارس 2012

انشغل الرأي العام المصري طوال الأسبوع الفائت بقضيتين اختلفتا في التفاصيل واتفقتا في المضمون، وتلخصت السمة الأساسية لهما في لجوء أطرافهما إلى التهويل الذي أريد من ورائه تحقيق نوع من التجميل أمام الرأي العام المصري قبل أن ينتهي الأمر في الحالتين إلى عكس المقصود منه تماما. القضية الأولى كانت قضية نائب حزب النور الذي اختلق قصة اعتداء وهمية على شخصه ليداري قيامه بإجراء جراحة تجميلية في وجهه، أما القضية الثانية فهي تلك المتعلقة بسماح جهات سيادية للأمريكيين الموقوفين على ذمة ما عرف بقضية التمويل الأجنبي بمغادرة البلاد رغم صدور قرار سابق بمنع كافة المتهمين في هذه القضية من السفر. ورغم أنه كان بإمكان من تسبب في هاتين الأزمتين أن يعالج الأمر في نطاق أضيق وفي أجواء أقل صخبا إلا أن الطرفين اختارا المبالغة في التهويل، الأمر الذي زاد موقفهما سوءا في عين كل من استهدفا التجمل أمامه. ففي القضية الأولى ظهر نائب حزب النور في وسائل الإعلام وهو مغطى الوجه بالضمادات بفعل ما قال إنه هجوم تعرض له من قبل ملثمين مسلحين برشاشات وأسلحة بيضاء استولوا على نقوده قبل أن يلوذوا بالفرار. وقد تعاملت وسائل الإعلام مع تلك الرواية بقدر كبير من الاهتمام، وتعاطف قطاع كبير من الرأي العام مع صاحبها، قبل أن يتبين أنها من نسج خيال النائب الذي أجرى جراحة للتجميل، بما يتعارض مع التوجه العام لحزبه ذي المنحى السلفي، فاختلق قصة الاعتداء ليبرر بها وضعه الضمادات على وجهه عقب الجراحة التي استحى أن يكشف سرها على الملأ. التهويل الذي مارسه النائب، والذي وصل به إلى حد اختلاق واقعة الاعتداء، انقلب إلى عكس مقصوده وتسبب في فقدانه ثقة حزبه فضلاً عما تسبب فيه من حالة إحباط جماعي لدى مؤيديه، الذين راعهم أن يبلغ الحرص على التجمل بصاحبه هذا الحد من الشطط. تزامن مع هذه الحادثة قضية إخلاء سبيل المتهمين في قضية التمويل الأجنبي، لتجتمع من جديد ثنائية التهويل والتجميل، وينتهي الأمر من جديد إلى عكس المقصود منه، مما تسبب في مضاعفة قدر الإحباط لدى الشارع المصري. ففي هذه القضية أيضا استخدم المجلس العسكري الحاكم سياسة التهويل في حديثه عن موضوع التمويل الأجنبي كمحاولة منه فيما يبدو للخروج من ضغط الانتقادات الداخلية التي كانت توجه إليه وتتهمه بالمسؤولية عما لحق بالمتظاهرين من اعتداءات أسقطت العشرات من القتلى. وقد بدا واضحا أن ثمة إصرارا لدى المجلس على تصعيد هذه الأزمة واستبعاد أي تسوية سياسية بشأنها ربما لتأكيد ماسبق وصرح به المتحدثون باسمه من وجود أطراف خارجية تدفع بالأحداث باتجاه التصعيد وتتحمل مسؤولية المواجهات التي حدثت بين قوات الجيش وبين الجماهير. ولكن التصعيد والتهويل قد أدى هنا أيضا إلى عكس مقصوده، فبدلا من أن تتحسن صورة المجلس العسكري، ضعف موقفه واجتمع المصريون على نقده، على خلاف ما كان يحدث في الأزمات السابقة حين كان الشارع المصري ينقسم بين مؤيد ومعارض لقراراته، وذلك بعد أن تدخلت قيادات عسكرية بطريقة ما لدفع القضاء إلى رفع حظر السفر الذي كان قد تم فرضه على المتهمين، ليتم السماح لهم بمغادرة البلاد في جنح الليل وبدون علم الرأي العام المصري الذي تلقى الخبر على نحو لاحق من وكالات الأنباء العالمية. ما فاقم من حنق المصريين أنهم كانوا قد استدرجوا إلى تأييد سياسات التهويل التي مارسها المجلس العسكري إلى الحد الذي حاولت معه بعض الرموز الدينية تدشين حملة شعبية يتم الاستعاضة من خلالها عن المعونة الأمريكية التي تردد أنها ستقطع كرد فعل عقابي إزاء الموقف الصارم الذي اتخذه العسكريون في بداية الأزمة. كما أن الملابسات التي اتخذ العسكريون في إطارها قرار التصعيد ضد المنظمات الأمريكية ظلت غير معلومة للرأي العام، الذي لم ير سوى قمة جبل الثلج والمتمثلة في إصرار الأول على المضي قدما في إجراءات توقيف الناشطين الأمريكيين نتيجة لقيامهم بما يتعارض مع القانون المصري مهما كانت النتائج. هذا الجزء من الأزمة رغم محدوديته إلا أنه تم تضخيمه بحيث استحوذ على انتباه الشارع المصري تماما بحيث صار من المستحيل أن يتم التراجع عن المواجهة بعد ذلك من دون التسبب في حالة من القنوط العام التي مازالت تسيطر على المصريين إلى حين أن يتبين لهم قدر أكبر من الحقائق بخصوص طبيعة الصفقة التي جرت بين المجلس والإدارة الأمريكية. محاولات التجميل من خلال التهويل أدت إذن في القضيتين السالفتين إلى عكس مقصودها، وظهر من مارسوها في حالة من الضعف المفضي إلى الإحساس بخيبة الأمل، فالنائب الذي حاول أن يتجمل من خلال تفاصيل مختلقة خذل المواطنين الذين أعطوه أصواتهم وأودعوه ثقتهم، أما الطبقة الحاكمة ممثلة في المجلس العسكري وبعض القيادات الحزبية والرموز القضائية ممن يبدو أنها كانت وراء إلغاء قرار المنع من السفر فقد خذلت الشعب بأكمله من خلال تراجعها المفاجئ في مواجهة الضغوط الأمريكية. وبشكل عام فقد مثلت الأزمتان لحظة كاشفة تبين من خلالها أن بعض الأطراف التي استودعها المصريون أمر القيام على ثورتهم والحفاظ عليها ربما تنتهج من السياسات ما من شأنه أن يفرط في الكرامة الوطنية التي ما قامت الثورة إلا من أجل استرجاعها والتأكيد على محوريتها، وهو ما يزيد من الخوف حول مستقبل الثورة المصرية التي يبدو أنها تتعرض لخروقات من بعض من يفترض أنهم يقومون بحمايتها، وبخاصة ممن يحاولون التجمل بالمبالغات، بدلاً من أن يتجملوا بالإنجازات الفعلية التي يمكن تلمسها في حياة وواقع المصريين.