17 سبتمبر 2025

تسجيل

الأقليات.. هل يفهم الأبناء حكمة الآباء ؟

06 فبراير 2014

رغم أن تسمية أقليات لا تتناسب مع مفهوم المواطنة والدولة المدنية التي يدعو إليها الإسلام، ورغم أنه يتقاطع في مقابل ذلك مع الفئوية الفتنوية التي يسعى لها خصوم الإسلام، ويحاولون صبغ صورة الفكر الإسلامي بها.. إلا أنني لن أتردد هذه المرة من تسمية "أقليات" ومن الكتابة تحت هذا العنوان عندما أقصد التنبيه لخطورة أن تتحرك فئة مجتمعية متجانسة على أساس مذهبي أو طائفي أو عرقي في فتنة دموية ضد الأكثرية وعندما تصدر عنها - عن ممثليها وزعمائها الرسميين وفي ظل صمت الباقين - تصريحات فتنوية وتهديدات عنيفة تنسف السلام المجتمعي والوحدة الوطنية المتقررة في الوجدان الجمعي منذ مئات السنين عن آخره.. فإن تحدثنا عن الطائفية والأقليات وهما متكاملان فإننا نشير لأمور:1- إن الأقليات عاشت أزهى وأفضل وأثرى عهودها متضامنة مع المسلمين في ظل حكم الإسلام الخالص صافي الإسلامية، الذي يوصي بهم في قرآنه الكريم فيقول: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)، ويحذر من ظلمهم فيقول: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) وفي المقابل فإن أسوأ حالهم وأشده بأسا وبؤسا عليهم كان عندما تولى على الناس زعماء فاسقون عن الإسلام أو كافرون به، أو حكام مصنّعون في الغرب وفيه تعلمنوا وتعولموا وعلى البسطاء من شعوبهم تعالموا ( نسبة للعلمانية والعولمة والعلم ) ؛ حكام خلطوا مصالحهم الشخصية بدعاواهم الفكرية فأساءوا في الاثنتين، واستغلوا الأقليات كبقرة حلوب لاستجلاب الدعوم الخارجية أو لصناعة وتبرير الاستبداد؛ فوجدناهم يقتلونهم مرة، ويتبنونهم أخرى، ويغرقونهم في الدماء والفتن ثالثة. 2- لا يمكن أن ندس رؤوسنا في الرمال، ولا نرى زعماء الطائفة القبطية في مصر - مثلا - من البابا " تواضروس " إلى كل الذين يتحدثون في الكنائس بنفس طائفي ويتغزلون بالسيسي، ويعلنون أن دستور الانقلاب قد حرر مصر من المسلمين وأعادها إلى " يسوع المسيح "، كما لا يمكن ولا يصح أن نتجاهل دلالات هذا الخطاب الطائفي العنيف والمهالك التي يمكن أن يؤدي إليها عندما تعود الثورة أو عندما تتقاسم الصلح مع خصومها.. ومثل ذلك يقال عن الأقلية العلوية الطائفية التي لا تتجاوز نسبتها الـ 8% من الشعب السوري والتي أنزلها الاستعمار الفرنسي من الجبال لتحكم الأكثرية، فحكمتهم بالحديد والنار، وهي اليوم تقتلهم، وقل مثل ذلك عن الأقليات الشيعية في البحرين والعراق ولبنان واليمن.. وهل يصح أن نغطي على كل هذه الجروح بدعوى عدم الحديث عن الأقليات.3- يجدر التنويه إلى أن المستشرق الصهيوني والأب الروحي لثقافة عدة رئاسات أمريكية ولعدة عقود " برنارد لويس " ظل يطرح دائما فكرة الحروب المذهبية في منطقتنا على أنها الضمانة الوحيدة والأكيدة لبقاء ( إسرائيل ) بين أديان ومذهبيات متعددة، وهو يرى أن اتفاقية " سايكس بيكو " الفرنسية البريطانية التي قسمت المنطقة على أساس الحدود السياسية وليس المذهبية كانت خطأ جسيما لا بد من تصحيحه.. بالتالي فإن أي دعوى مذهبية أو طائفية في المنطقة أو التفاعل معها هو - في الحقيقة - دعم لوجود الكيان الصهيوني واستمراره فوق أنه نقض لمفهوم التكريم الإنساني الذي يقره الإسلام وتضافرت عليه الثقافات المحترمة عبر التاريخ الإنساني كله..4- وإذن فجمهور الأقليات المتورطة ضد الأمة في مصر وغيرها تقع عليهم المسؤولية أن يواجهوا زعاماتهم المتوغلة في التصعيدات ضد الأكثرية، وأن يواجهوا النظم التي تستعمل ورقتهم كوقود لسيرها أو تستعمل دماءهم كماء لحياتها.. المسؤولية كبيرة ولكن المهمة ميسورة ومتسناة.. وليس أكثر من أن تقوم فيهم شخوص وفئات وممثليات شعبية تؤسس لثقافة النأي عن صراعات الأكثرية التي تتعدى صناديق الاقتراع والانسجام المجتمعي إلى التصيد والدموية كالتي نراها اليوم.. ثقافة تعتمد ممارسة العمل السياسي العادل والمحترم وليس الانقلابات والقتل والدم وتسييس القضاء، ولا من خلال التصريحات المستفزة للأكثرية بالأخص إذا كانت دينية رسمية.. هذا الاعتزال لا يشينهم، وبالتأكيد لا يقلل مواطنتهم، والصحيح أنه يزيد حرمتهم لدى كل فرقاء الأكثرية؛ آخر القول: أتصور أن على الأقليات والطوائف أن يعاجلوا وقبل ذات مندم، إلى الخروج والنأي عن موالج الفتنة والدم التي تمور بها بلادنا في هذه المرحلة ؛ والتي يدزهم إليها زعماء دينيون وسياسيون رسميون فقدوا الرؤية الاستراتيجية، ونسوا أن ما يتمتعون به من سلام ووئام ما كان عن صراع ومغالبة، وإنما عن حكمة عاش بها الآباء ؛ فهل يفهم الأبناء ما فعل الآباء؟.