30 سبتمبر 2025

تسجيل

منطقة اليورو في خصائصها ومستقبلها

06 فبراير 2013

تحققت منطقة اليورو بعد عقود من الجهود التي قادها قياديون كبار أمثال ديغول واديناور وغيرهما. كما لكل مشروع اقتصادي، هنالك فوائد ومساوئ، لكن المهم أن تكون الخلاصة إيجابية. تمر المنطقة منذ سنة 2008 بأزمة كبيرة كادت أن تطيح بالنقد المشترك وتسبب انفراطها في عودة عقود إلى الوراء. أدركت القيادات الأوروبية عمق المخاطر وعملت جاهدة على تخفيف الخسائر ونجحت. كانت السياسات المالية سخية ليس فقط ضمن بعض الدول إنما فيما بينها، وأسهمت سياسة الإقراض في تجنب كارثة أكبر في اليونان وإسبانيا وغيرهما. كانت السياسة النقدية للمصرف المركزي المشترك ذكية، إذ ضخت الكتلة النقدية الإضافية لتوفير السيولة للمصارف وعبرها للأفراد والشركات. أسهمت القروض الدولية عبر صندوق النقد والوحدة الأوروبية كما من بعض الدول الأعضاء في تجنب كارثة في اليونان وغيرها. شاركت المصارف في الإنقاذ، إذ ألغت قسما كبيرا من الديون التي وفرتها لبعض الدول وفي مقدمها اليونان. خلاصة ما حصل، أننا لم نعد نتكلم اليوم عن استمرارية اليورو ومنطقته. فالجميع مقتنع أن اليورو سيستمر والمنطقة ستبقى، بل إن سعر صرفه يتحسن بخطى ثابتة وسريعة تجاه الدولار الأمريكي.  ما هي السياسات الأساسية التي اعتمدتها دول مجموعة اليورو السبعة عشرة والتي أسهمت في خلقها وفي استمراريتها. ألغت الدول القيود على تحرك رؤوس الأموال فيما بينها وحتى مع الخارج. قامت بها في أوقات مختلفة تبعا لأوضاعها وجهوزيتها الداخلية. في التواريخ ألغت فرنسا هذه القيود في سنة 1990 وألمانيا في سنة 1967 واليونان في سنة 1994 وإسبانيا والبرتغال في سنة 1992. حررت الدول الأعضاء سياسة الفوائد لديها كي تعكس الفائدة سوق المال، وكان ذلك في سنة 1990 في فرنسا وبلجيكا وإيطاليا و1981 في ألمانيا و1992 في كل من إسبانيا والبرتغال. شاركت الدول الأعضاء في تطبيق سياسات مصرفية مشتركة بحيث أصبحت السوق فعلا واحدة. كانت التواريخ مختلفة علما بأن ألمانيا كانت دائما الرائدة، ولم يكن هنالك مجال يوما لخلق وحدة أوروبية أو وحدة نقدية من دونها.  هل كان خلق الوحدة النقدية الأوروبية في محله؟ ما هي التكلفة والمنافع؟ لماذا حصلت الأزمة التي تم تجاوزها بذكاء وجهد دون أن تكون الوحدة قد تعافت تماما؟ في أبرز بنود التكلفة، نذكر أن الوحدة النقدية تفقد الدول الأعضاء سياستها النقدية الوطنية وتجعلها تخضع في هذا المجال لأوامر السلطة المركزية أي لفرانكفورت. تخسر الدول المنضمة إلى الوحدة إمكانية تعديل سعر صرف نقدها لتنشيط الصادرات ومعالجة وضع ميزان المدفوعات. لو كان لليونان مثلا نقدها الوطني، لسقطت عملتها وبالتالي خفت مشاكلها دون أن ننكر أن هذا يعني تفقير الشعب لمصلحة الاستقرار الاقتصادي. عندما يكون لكل دولة نقدها، تتحمل بطرق مختلفة أي خطة آتية من الخارج بحيث يتحرك النقد لامتصاص الخلل. في الوحدة النقدية، تنعكس الخطة مباشرة على الأسعار والأجور بحيث يكون الوجع أكبر خاصة على المواطن العادي. في الدول التي تعتمد نقدا وطنيا، يعكس سعر الصرف الأوضاع الداخلية من إنتاجية وتنافسية بينما تخسر هذه الحيوية تلك التي تعتمد نقدا مشتركا. أما المنافع، فهي كبيرة وتبدأ في تخفيض تكلفة التبادل المالي التي كان يفرضها التحويل بين العملات المختلفة. اعتماد نقد واحد يخفف تكلفة التجارة ويوحد الأسعار مع الوقت بين الدول ويساهم في نشر التنمية بطريقة أكثر عدالة. النقد الموحد يسهل الاستثمارات بحيث تزول مخاطر تغيير أسعار الصرف التي يخشى منها دائما قطاع الأعمال. يشجع النقد الواحد على انتقال العمال بين المناطق تبعا للعرض والطلب. تزداد شفافية الأسعار إذ تسهل مقارنتها بين الدول المجاورة. إن اعتماد نقد موحد لمجموعة قوية كأوروبا يساهم في جعل اليورو نقدا دوليا بامتياز ينافس الدولار على الصدارة كاحتياطي وكوسيلة للتبادلين التجاري والمالي.  في هذه الفترة من وجود اليورو، تعمقت الفوارق بين الدول وكان ممكنا أصلا التخفيف من سرعة الانضمام إلى الوحدة أو جعلها مجموعتين في البداية حتى تتقارب أكثر الأوضاع.  تحتاج كل وحدة نقدية إلى سنوات من الجهد كي يستفيد كل أعضائها من القوة المشتركة. اليوم أوروبا أنقذت نفسها وجمعت قواها وعاد النمو، وإن يكن بنسب خفيفة. إذا استمرت الدول في العمل المشترك الشاق المبني على الرغبة في الوحدة، ستعرف أوروبا في العقد الحالي ازدهارا نموذجيا لم تعرفه أي من دولها من قبل.