22 سبتمبر 2025
تسجيلهل يعني شيئاً القول إنه "لا جامعة عربية من دون سوريا"، أو أن الجامعة تلتقي بمبادرتها مع "المخططات غير العربية الهادفة إلى تدمير سوريا"؟.. فبمثل هذه الاعتبارات حوّل المندوب السوري في الأمم المتحدة الأمر إلى سجال عربي-عربي، واستغل المناسبة لمهاجمة قطر وكل الدول التي "كانت" صديقة لسوريا من دون أن يأخذ في اعتباره أن الأصدقاء رفضوا ويرفضون ممارسات نظام دمشق، وبالأخص منها قتل أبناء الشعب السوري، ولم يخرج بشار الجعفري عن إطار خطابات رئيسه بل كررها جميعا وزاد عليها التذكير بالدعم السوري في ستينيات القرن الماضي لدول الخليج في سعيها إلى التحرر من الاستعمار البريطاني، وكأن حزب البعث هو الذي حرر تلك الدول من دون أن تدري. في أي حال، لا أحد يستطيع المجادلة الآن بأن سوريا الستينيات، سوريا التي يعرفعها العرب ويحبونها ويقدرون شعبها، هي سوريا هذا النظام، لذلك لا داعي لإثارة التاريخ لأن هذا النظام لا علاقة له به، وقبل أن يدعي كونه امتداداً لتاريخ سوريا عليه أولاً أن يكون معترفا بالواقع الراهن وغير منفصل عنه، لقد ذهب بعيداً في لوثة الإجرام والوحشية، وهذا ما أفقده الشرعية والأهلية ليكون جزءاً من حل الأزمة، إلى حد أنه حتى حليفه الروسي هو الذي اقترح أولاً نقل صلاحيات الرئيس إلى نائبه، وقد استوحاها من الحل الذي اقترحته المبادرة الخليجية لمعالجة الأزمة اليمنية. لا يزال هذا النظام يظن أنه سيتمكن من تجاوز مأزقه بشيء من التذاكي وليس بمبادرة يبرهن فيها حقاً أنه يعي المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقه حيال شعبه وأمام جميع الشعوب العربية. كانت جلسة مجلس الأمن مسرحاً لعملية "تشبيح" شنيعة بلغت حد مصادرة نزار قباني واعتقاله والتنكيل به هو الآخر، بل إهانته في أعز ما تركه من تراث شعري. لم يكن نزار طوال حياته "ذا جنسية محددة"، كان عربياً عروبياً عاش معظم حياته بعيداً عن سوريا التي عشقها وكان الاضطرار لهجرها من أكبر الحسرات في وجدانه، ولا أحد يجهل انه كان يمقت هذا النظام الذي كان السبب في اختياره العيش في المهجر، ولا شك أنه تململ في ضريحه الدمشقي وهو يسمع سفير بلده يستخدم أحد أبياته في خطاب انتهازي، يقول نزار في ذلك البيت: دمشق يا كنز أحلامي ومروحتي أشكو العروبة أم أشكو لك العربا وأياً تكن التأويلات فإن دمشق التي يعنيها ليست دمشق "الشبيحة"، وإنما دمشق التي في خاطر جميع العرب. التئام المجتمع الدولي في تلك الأمسية ليناقش ما يمكن فعله لوقف إراقة الدماء في سوريا، لكن سفيرها لم يجد سوى التشكي من العرب لأنهم جاؤوا إلى مجلس الأمن ليعرضوا مشكلة بلاده التي هي أيضاً بلادهم ومعنيون بها وبسلامة شعبها. لكن بالنسبة إليه، وإلى قادة نظامه، لا توجد مشكلة في سوريا، فطالما أن قتلة النظام لا يزالون قادرين على استرخاص أرواح السوريين وطالما أنهم يقصفون المدن والبلدات ولا يأبهون بالدمار والضحايا فلا مشكلة البتة في سوريا، لم تعرف دمشق النظام لماذا لم يكتف الوزراء العرب بتقرير رئيس بعثة المراقبين، فحتى روسيا استحسنته واعتبرته جيداً وواقعياً. لماذا؟ لأنه يؤيد الرواية التي قدمها النظام منذ اليوم الأول للانتفاضة الشعبية قبل ما يقرب من أحد عشر شهراً، وبالتالي فما دام يقول إن ثمة عنفاً يأتي من جانب مسلحين غير نظاميين فهذا في حد ذاته يعطي النظام مسوغات العنف المفرط بل الإجرام المفرط، لكن التقرير يقول بوضوح إن النظام لم يلتزم بما تعهده من وقف للعنف وسحب للآليات العسكرية وإطلاق للمعتقلين وإقلاع عن التنكيل بهم وتعذيبهم ورميهم جثثاً في الشوارع، لكن قتلة النظام وسفراءه لا يهتمون بهذا الجانب من التقرير الذي حرصوا على مناكفة العرب به، وليقولوا أيضا إن أحمد الدابي، رئيس بعثة المراقبين، أصبح نصيراً لهم. لم يعترف النظام السوري بالتحولات التي يشهدها العالم العربي، ولابد أن تنعكس على الجامعة العربية، فهذه الجامعة التي تمثل "النظام العربي الرسمي" لن تبقى كما كانت، وهي باشرت عملية تطوير نفسها بالتكيف مع الأحداث وبادراك أهمية الإصلاح والاستماع إلى الشعوب، نعم لديها ميثاق لا تزال تحاول العمل بموجبه، لكنها تواجه تحديات لم يعد الميثاق قادراً على مواجهتها، فهل تقعد الجامعة وتنتظر جولات الدم في سوريا أو في سواها لتعود الأوضاع إلى السوية الملائمة لملاقاتها بميثاق بال ينتمي إلى عصر غابر. لا، لابد لها أن تتحرك وأن تجدد وتتحمل المسؤولية، وليس مهماً أن يقول بشار الأسد، وأن يرد سفيره من بعده، أن لا جامعة عربية من دون سوريا، فهذا شعار أجوف، ليس معروفاً إلى من يوجهه البشاران، خصوصاً أن السوريين والعرب يمرون بأصعب مراحل الازدراء لهذا النظام، فلا سوريا هي هذا النظام، كما أن مصر وتونس وليبيا واليمن ولا العراق قبلها كانت تختصر بأنظمتها أو بالحكام الذين باتوا من نماذج الاستبداد في العالم. عندما يتردد شعار "سوريا قلب العروبة النابض"، ويقوله العرب بلا جدل أو تردد فإنهم لا يعنون بالتأكيد أن هذا النظام هو من يرمز إلى العروبة، وبالنسبة إلى كثيرين من العرب، في سوريا نفسها وفي لبنان وفلسطين والعراق خصوصا، وفي أقطار أخرى أيضا، كان هذا النظام عاراً على العروبة وعلى سوريا، وها هو سفيرها في الأمم المتحدة يعلن أن الجامعة العربية باتت جزءاً من المؤامرة التي تخيلها النظام واعتبر نفسه في حرب ضدها، بل قال إن سوريا ستواجه أعداءها، لكنه نسي توضيح ما إذا كان آلاف شهداء الثورة هم هؤلاء الأعداء، نسي حمزة الخطيب وسائر الأطفال الـ"384" الذين وثق قتلهم بأيدي "شبيحة" النظام، ونسي ذبح "بلبل الثورة" إبراهيم قاشوش واقتلاع حنجرته، ونسي غياث مطر الذي كان يوزع الورود على الجنود ثم عذب حتى الموت، ونسي تصفية الجرحى في المستشفيات.. كل هذه أدلة على عروبة النظام، ولم تعد الجامعة لتأنس بمثل هذه العروبة أو تتشرف بها. يبقى أن الحليف الروسي سيضطر عاجلاً أم آجلاً إلى مغادرة عزلته الدولية ليقبل بمعالجة عربية-دولية للأزمة السورية، فهل ستنضم موسكو بدورها إلى "المؤامرة"، فأي معالجة حقيقية للأزمة ستضع النظام على سكة الرحيل، وروسيا تعرف ذلك.