15 سبتمبر 2025
تسجيلالمتأمل هذه الأيام فيما يجري في المنطقة، يدرك أن هناك خطأ قاتلاً في عملية صناعة القرار واتخاذ إجراءات مصيرية بدون دراسة وبدون مشاورة، والنتيجة في نهاية المطاف تكون كارثية وآثارها في الكثير من الأحيان تبقى وصمة عار على الأمة بأسرها. فالاستبداد والتسلط والتفرد بالقرار يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. الثمن يكون غالياً والندم لا ينفع. تاريخيا القرار الذي نجم عن الحاكم المستبد المتسلط أدى إلى حروب وأزمات وصراعات خلفت وراءها ملايين الأرواح وخسائر مادية تقدر بالمليارات. الخاسر في نهاية المطاف هو الشعوب المغلوبة على أمرها، والتي في حقيقة الأمر لا تمثل سوى أرقام جوفاء لهؤلاء الطغاة. في أيامنا هذه نسبة كبيرة من القادة العرب يتعاملون مع قضايا البلاد والعباد والثروات والخيرات وكأنها ملكيتهم الخاصة، يفعلون بالشعوب ما يشاؤون ويتصرفون في ثروات البلاد كما يريدون. كيف يصنع القرار في الدول المتقدمة والمتطورة والديمقراطية، وكيف يصنع في الدول العربية ودول العالم الثالث؟ وهذا هو السؤال الذي يجب أن يطرح لمعرفة فشل القرار ونجاحه. القرار الرشيد هو الذي يبنى على أساس علمي وتوفير المعلومة ووجهات النظر المختلفة والآراء المتضاربة والبدائل والسيناريوهات المختلفة …الخ. القرار إذا كان يهم الأمة يجب أن يرجع إلى هذه الأمة لمعرفة رأيها في الموضوع "وليكن الأمر شورى بينكم"، وهكذا نرى ونلاحظ في الدول المتقدمة استعمال مراكز بحث وخبراء وفنيين وفرق من الباحثين لتوفير كل المعلومات والمعطيات والإحصاءات، حتى تقدم كل السيناريوهات المحتملة والحلول الناجعة، حتى يتخذ فيما بعد القرار السليم. ونستنتج من هذا أن الرأي العام وبطريقة غير مباشرة يساهم في صناعة القرار، وكلما أشركناه كلما نجحنا في إرضائه أو الاقتراب من إرضائه واتخاذ القرار الرشيد والأمثل. وهنا نلاحظ أن صناعة القرار في الدول الديمقراطية هي علم وفن واستراتيجية تطبق بتقنياتها ومناهجها المختلفة لتفادي الأخطاء والهفوات التي قد تكون في الكثير من الأحيان قاتلة وانعكاساتها فادحة ووخيمة. فالأمر إذا لا يتعلق بمزاج معين أو بنشوة عابرة، وإنما يتطلب دراسة وتحليلا واستراتيجية تقوم على أسس ومبادئ. وكلما ابتعدت صناعة القرار عن هذه المقومات، كلما كان القرار فاشلا لا يستجيب إلا لمن اتخذه، في وطننا العربي عادة ما يعتمد صانع القرار على بعض التقارير والمعلومات التي شكلت وصنعت وتمت “فبركتها" خصيصا لإرضاء السلطة وتلميع الأمور أمامها، وهذا يعني أنها تقارير ومعطيات خاطئة ومزيّفة، وهذا يعني أن القرار الذي يعتمد عليها سيكون بعيداً كل البعد عن الواقع. قد يتساءل المواطن العربي من المحيط إلى الخليج، هل من وجود للرأي العام في الدول العربية؟ وكيف يصنع ويشكل هذا الرأي العام إذا كان موجودا، وهل يقاس ويؤخذ بعين الاعتبار في اتخاذ القرارات التي تهم الأمة والمجتمع. الكلام عن الرأي العام يتطلب عنصرين هامين، وهما الديمقراطية وحرية الصحافة، وفي غياب هذين العنصرين يصبح الكلام عن الرأي العام بمعناه الجوهري والحقيقي، أي الرأي العام الفعال و الصحيح والناضج والقوي بدون جدوى ولا فائدة. فبدون أخبار ومعلومات ومعطيات معتبرة من الناحية النوعية والناحية الكيفية لا يستطيع الجمهور أن يتخذ موقفا واضحا ومبنيا على أسس سليمة بشأن القضايا التي تطرح يوميا على أفراد المجتمع وفي مختلف الشؤون والمجالات. و في الكثير من الأحيان تطرح قضايا جوهرية في المجتمع ويبقى الشعب المسكين تائها في اتخاذ موقف من القضية، لا لشيء إلا لأنه يفتقد للمعلومات ومكونات القضية وعناصرها، وهذا ينجم عادة عن انعدام التدفق الحر للمعلومات وللأخبار في ظل غياب حرية الصحافة. ومن جهة أخرى ولأسباب عديدة ومتداخلة نجد غياب وجهات نظر وأفكار جهات هامة ورئيسية في المجتمع حول القضية المطروحة، وهذا بسبب انعدام القنوات الحرة للتعبير عن الرأي. وهنا نستنتج أن القنوات السليمة والصحيحة التي تكوّن وتشّكل وتصنع الرأي العام مغيبّة تماما في معظم مجتمعاتنا العربية، وهذا يعني أن فاقد الشيء لا يعطيه. الدرس الذي نستخلصه من عقم الرأي العام العربي هذه الأيام، هو أن الشارع العربي مهمّش ومغيّب في الكثير من القرارات المصيرية والجوهرية التي تتخذ بشأنه، وفي الكثير من الأحيان يكون هو آخر من يعلم بها. وفي ظل هذه الآليات المتخلفة وغير المنهجية في صناعة القرار وغياب التفاعل الديناميكي والحركي والإيجابي مع الشارع يتعذر مهما اجتهد صانع القرار ومهما عمل على النجاح والاستجابة المثلى لمتطلبات المجتمع وتبقى عملية الاستغلال الأمثل للثروات البشرية والثروات المادية أمراً صعب المنال. فقنوات الاتصال بين السلطة والشعب وبين السلطة والهياكل السياسية المختلفة ضرورية جدا لإيجاد بيئة صحية يسود فيها الحوار والنقاش من أجل تفاهم أكثر ومن أجل اتصال فعّال يقضي على كل مواطن الالتباس والمغالطة والتهميش والإقصاء. إشراك الشارع في العملية السياسية والممارسة السياسية، وبذلك إشراكه في صناعة القرار هو السبيل الأمثل للقضاء على الفجوة القاتلة بين طموحات الشارع وقرارات السلطة. متى سيحدث التناغم والتناسق بين الطرفين؟ ومتى سيتخطى الشارع العربي مرحلة الفلكلور ويصل إلى مستوى التأثير والفعل؟