16 سبتمبر 2025

تسجيل

وسائل الاتصال بين الحاجة والابتزاز

06 يناير 2013

قبل ثلاثة عقود ونيف من الزمان كان مجرد الاتصال الهاتفي بصديق أو قريب في دولة أخرى معاناة لا تعادلها سوى معاناة السفر وألق الفراق ولوعته. وأتذكر في هذا الصدد عندما كانت إحدى أخواتي تعالج في لندن بالمملكة المتحدة في العام 1978م ولم يكن من سبيل للاطمئنان عليها وعلى سير العلاج سوى بالاتصال الهاتفي من خلال كبائن صغيرة في مبنى الهاتف السعودي الذي يتوسط مدينتي الهفوف والمبرز في الأحساء ولا يزال كذلك إلى الآن بأبراجه وتاريخه. المهم كنت أرافق الوالدة يرحمها الله لغرض الاتصال بالأخت المريضة في لندن وكانت المكالمات لا تجرى غالباً إلا في الليل ربما لفارق التوقيت أو لظروف تقنية أوسع عبر تحويل الاتصال من خلال دولة البحرين كما هو السائد آنذاك. كان ذلك الاتصال يمثل مهمة شاقة لعموم الأسرة تستلزم الحصول على سيارة تقلنا من قرية الجفر شرق الاحساء إلى مقر مكاتب الهاتف ناهيك عن السهر أحيانا وتكبد مبالغ ضخمة تصل إلى 300 ريال للمكالمة الواحدة في وقت لم تكن الإمكانات المادية تسمح بهذا الحجم من المبالغ ولكن هي الظروف التي لازمتنا. ناهيك عن مشاعر أم نحو فلذة لكبدها تعاني المرض بعيداً عنها. فماذا عساها أن تفعل سوى ببذل المستحيل لمجرد سماع صوتها في مكالمة يذهب غالبها في البكاء لتحمل إلى قلبها بعض ما يطفئ الوجد والشوق . فكان الهاتف بمحدودية إمكاناته وتكلفته الباهظة آنذاك نافذة التواصل الأسرع خلاف رسائل البريد التقليدية. واليوم حيث الهواتف المتاحة للجميع بكل تقنياتها ومزاياها في جيوبهم ومكاتبهم بل وأصبح الاتصال المرئي المباشر من سمات العصر وبتكلفة لا تذكر قياساً مع ما كان يدفع مقابلها في تلك السنوات الماضية وأصبح أيضاً تعاطي يخرج عن نطاق الأهداف السامية للتواصل إذ تستغل وسائل الاتصال الاجتماعية الحديثة ليمرر من خلالها هواة العبث ممارساتهم البغيضة وعلى مستوى دولي واسع. فقد تلقيت مؤخراً من خلال موقع الفيس بوك رسالة من إحدى الفتيات العرب ممن تدعين امتهان الصحافة أو من « يتلون حسب الصيدة « تطلب الصداقة والتواصل للتشاور حول بعض المعلومات عن شعراء الخليج وما هي إلا لحظات حتى تحول التواصل إلى ابتزاز صريح بطلب تحويل مبلغ مالي ضخم أو استخدام الموقع وما يحتويه من صور للتشهير بإعادة مونتاج بعض الصور بطريقة فاضحة. عموماً كان الاتصال العابث بكل محتواه لا يعنيني بالضرورة سوى أني أحبطت من هذا السلوك الذميم واستغلاله لمعلومات الناس وعفويتهم لأهداف ذميمة أيضاً. كما أن مثل تلك المواقع والاتصال المفتوح بها وبعفوية قد يوقع الكثيرين منا في مصائد مثل تلك المتصلة اللعوب والتي قد لا تكون متصلة بذاتها الشخصي بل هي حالة استغلال لاسم وجنس غيرها في محاولة للإيقاع بالآخرين. ورغم التحذيرات المستمرة من الجهات المعنية بتقنية الاتصال والتي تحذر من هذه الأساليب ومن تبعاتها ونتائجها إلا أنه يبدو أنها مستمرة ومكثفة تجاه شبابنا الخليجي بالذات ممن اندفعوا نحو وسائل التواصل الاجتماعي وبشتى السبل ودون التزام تام بمعايير التواصل. فيصير أن يتعرض أحدنا لمثل تلك الممارسات التي حولت الاتصال من مجرد حاجة ملحة كنا نبحث عنها قسراً إلى وسيلة ابتزاز وتدمير. لذلك يجب الوعي والحذر من الجميع على أنفسهم وعلى أبنائهم من شرور هذا الطوفان الكبير.