14 سبتمبر 2025
تسجيلإن التآمر على زعزعة استقرار العملة القطرية والاقتصاد القطري ليس بجديد، وسبق أن تحدثت عنه مبكراً مع بدايات الأزمة في عدة مناسبات من خلال وسائل الإعلام (كان أولها قناة الجزيرة بتاريخ 30 يونيو ثم بعد ذلك في غيرها من وسائل إعلام وصحف محلية) وذكرت أن قطر تتعرض لحرب اقتصادية تستهدف زعزعة استقرار العملة وضرب الاقتصاد الوطني. إن التخطيط والتآمر على زعزعة استقرار عملة واقتصاد دولة ذات سيادة بواسطة دولة ذات سيادة يعد من أعمال الحرب الاقتصادية، إنه إرهاب مالي يمارس برعاية دولة عضو في مجلس التعاون وفي الجامعة العربية والأمم المتحدة يهدف إلى إلحاق أكبر ضرر اقتصادي ممكن بدولة قطر، من خلال زعزعة استقرار العملة الوطنية، والدفع نحو هروب رؤوس الأموال، واستنزاف الاحتياطات السيادية وزعزعة الاستقرار الاقتصادي، وربما يمتد ذلك إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي، بل كان يؤمل منه تهديد الأمن القومي وانهيار النظام، هذا هو كان حجم المؤامرة المأمول تحقيقها. إن التآمر على زعزعة استقرار العملة الوطنية والنظام المالي وضرب الاقتصاد الوطني كان أمراً متوقعاً، مع حملة التحريض الشرسة والكراهية ضد قطر، وحجم المؤامرات التي كانت تتكشف يوماً بعد يوم، ولا يقل خطراً عن الحرب العسكرية، بل إنه بمثابة سلاح دمار شامل. وقد يسأل البعض، ولكن لماذا الحرب الاقتصادية ولماذا على الريال القطري؟ والجواب، هو تبقى الحرب الاقتصادية هي الجبهة الممكنة والأكثر فاعلية لإحداث أكبر تدمير ممكن وعن بعد دون اشتباك مباشر وبأقل تكلفة ممكنة، لو نجحت فهي حرب ذكاء ومكر ودهاء، حرب أفكار وعقول، وحرب العقول تواجهه بالعقول، وهنا تأتي أهمية الأبحاث الاقتصادية، فإدارات ومراكز الأبحاث هي مصانع العقول، وتبقى العملة هدفها الأول والأنجع، خصوصاً في ظل سعر الصرف الثابت، فكلما كان هامش التثبيت أو نطاق الربط أمام عملة التثبيت الأجنبية ضيقا (كالتثبيت الجامد Hard peg كما في حالة قطر وبقية دول مجلس التعاون ما عدا الكويت)، كلما كان نظام سعر الصرف أكثر حساسية وعرضة للضغوط والمضاربات في أوقات الأزمات الاقتصادية والسياسية الحادة، وزاد ذلك من العبء على السلطة النقدية للمحافظة على سعر الصرف عند قيمة التثبيت المعلنة أمام عملة الربط الأجنبية (الدولار)، والاستعداد للدفاع عنها باستمرار من خلال تخصيص الاحتياطات من الصرف الأجنبي، على سبيل المثال في حالة الضغوط التنازلية على العملة الوطنية، يكون ذلك بتدخل السلطة النقدية بشراء الكميات الزائدة منها عن الطلب المعروض في الأسواق مقابل بيع العملة الأجنبية بالسحب من الاحتياطات الأجنبية، ونظام سعر الصرف الثابت بحاجة إلى كميات كبيرة من الاحتياطات الأجنبية تخصص للدفاع عنه (تكون في حالة شبه سائلة أو جاهزة للاستدعاء عند الحاجة). وقد تدرجت هذه الحرب الاقتصادية على قطر على عدة مراحل كانت الأولى منها بفعل تأثير الصدمة على السوق الآنية والآجلة للريال، فتعاضد عامل التوتر السياسي مع ارتفاع الطلب على العملة الأجنبية في فترات اجازات نهاية العام والأعياد مع انقطاع مفاجئ للإمداد بالدولار من دبي، ورافق ذلك حملة مسعورة من إعلام دول الحصار هدفها خلق حالة من الهلع وإثارة التوتر والارتباك تؤدي إلى التخلص من الريال، وبالتالي انخفاض قيمته وخروج رؤوس الأموال من البلاد، ولكن الضغوط هذه كانت مؤقتة، وفشل إعلام دول الحصار من هذه الزاوية في التأثير على الداخل القطري بسبب انعدام المصداقية نظراً لأسلوبه الفج والتضليل والاستخفاف بعقول الناس منذ اندلاع هذه الأزمة، ثم بعد ذلك كان هناك التآمر على الريال من خلال إيقاف التعامل به في بعض الأسواق الخارجية في مناطق مختلفة من العالم في أواخر يونيو، في بريطانيا على وجه الخصوص، بهدف إثارة القلق وخفض قيمته، وهذه الحملة كان يقودها ملياردير من الجنسية الهندية يقيم في الإمارات يدعى Bavaguthu Raghuram Shetty ويتملك (جزئياً أو كلياً) مجموعة صرافة الإمارات وشركة صرافة Travelex، التي تقوم بدورها كوسيط في تقديم خدمات صرافة (تمويل) بالعملة الأجنبية لعدد من البنوك البريطانية الكبرى وشركات الصرافة، وهناك مصادر ومؤشرات تفيد بأن هذا الشخص يقود هذه الحملة لصالح حكومة أبوظبي، ومع أن فرص نجاح هذه الخطة ضئيلة، بسبب محدودية عرض الريال القطري في الأسواق الخارجية، إلا أنه رافقها حملة مسعورة من إعلام دول الحصار بهدف إثارة القلق والتوتر لدى الجمهور والمستثمرين، والدفع نحو التخلص من الريال القطري، بهدف خلق ضغوط تنازلية عليه لإضعافه، إلا أنها بائت بالفشل، وهذا مؤشر إلى من كان يخطط ويقف خلف هذه المؤامرة. ثم بعد، كانت هناك محاولات لزعزعة استقرار القطاع المصرفي والضغط نحو خروج الودائع ورؤوس الأموال، ولكن الحكومة تدخلت (بالسرعة والوقت المناسبين)، وضخت ودائع في الجهاز المصرفي تقدر بـ19 مليار دولار، والمصرف المركزي بـ9 مليارات دولار في أول شهرين من الأزمة لتعزيز السيولة المحلية والتعويض عن خروج رؤوس أموال، وتشير بعض المصادر إلى خروج 8 و15 مليار دولار في أول شهرين من الأزمة، وتقدر ودائع دول الحصار ب، 15 -20 مليار دولار من مجموعة 52 مليار دولار ودائع غير المقيمين في قطر، وبنسبة 25% من ودائع القطاع المصرفي، وبحسب بعض المصادر فإن قطر استدعت 20 مليار دولار من صندوقها السيادي لتعزيز السيولة المحلية، وضخت 38.5 مليار دولار في اقتصادها في الأشهر الأولى من الأزمة لتعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي، وقد حاولت دول الحصار جر أطراف أخرى (من دول وبنوك وشركات) إلى الانضمام إليها في مقاطعة قطر مالياً ولكنها فشلت في ذلك. ثم بعد ذلك نشر موقع The Intercept الأمريكي بتاريخ 9 نوفمبر خطة مفصلة للتآمر على الديون السيادية لدولة قطر مسربة من البريد الإلكتروني ليوسف العتيبة سفير الإمارات في واشنطن، وقد لاقى هذا التسريب اهتماما واسعاً من قبل وسائل الإعلام والمختصين إلا أن هذا الموضوع ليس بجديد في حد ذاته وسبق الكشف عنه في مجلة Outlook India بتاريخ 11 أكتوبر في سياق تقريرها عن دراسة تحقيق يقوم بها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن يشير فيها إلى أن منظومة مجلس التعاون قد بدأت تتفكك من الداخل بسبب الخلاف القطري مع الحلف الذي تقوده السعودية وتبعات ذلك على العلاقات والمصالح الهندية في المنطقة، وهذه حملة العقل المدبر لها بريطاني يدعى David Rowland وهو يمتلك بنك اسمه Havilland أسسه عام 2009 في لكسمبورج على أنقاض بنكه Kaupthing المفلس في إيسلندا خلال الأزمة المالية العالمية، وهو شخص مثير للجدل ومتهرب من الضرائب ولديه شبكة علاقات مصالح واسعة مع سياسيين حول العالم وتربطه ب محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي علاقات قوية كما تشير المصادر. وتتمثل الخطة في جمع أكبر قدر ممكن من سندات الدين القطرية بصورة خفية، في حين تقوم الإمارات بشراء تأمينات هذه الديون (التي تستخدم لدفع الدين في حالة الإفلاس) لتعرضها فيما بعد بتأمين مرتفع (ولكن دون بيعها)، ثم بعد ذلك يتم التلاعب بهذه السندات في عملية تعرف بتلوين الشريط (وهو كالشريط الذي يظهر الأسعار على شاشات التعاملات المالية في غرف التداول "المؤشر") وهنا يتم التعامل على هذه السندات، بيعاً وشراء بسرعات عالية وأسعار منخفضة، ولكن العملية محصورة بين أطراف معينة ضمن دائرة مغلقة بحسب خطة متفق عليها (تآمر) مسبقاً (وغالبا تكون عمليات بيع وشراء وهمية وقد يكون جزء منها حقيقيا، وقد يتم البيع لنفس مصدر الشراء بأسعار أقل) والهدف من هذه العملية هو الايحاء بأن هناك حركة تعامل كبيرة على السندات القطرية وبأسعار منخفضة مما يعطي تصوراً أن هناك خللا ما يحدث في قطر، كصعوبات اقتصادية أو حالة عدم استقرار اقتصادي أو سياسي، بفعل ضغوطات الحصار عليها وحالة التوتر والأزمة السياسية الحادة مع جيرانها، ويرافق ذلك حملة علاقات عامة مسعورة توظفها دول الحصار لترسيخ هذا التصور، مما يثير القلق والارتباك لدى المستثمرين الحقيقيين في السندات القطرية ويدفعهم نحو التخلص منها، ويؤدي ذلك إلى انخفاض قيمها، وهذا الفعل في حد ذاته يؤدي إلى المزيد من الهلع ويدفع المزيد من المستثمرين إلى (السندات والأصول القطرية) وكذلك الجمهور (من حملة الريال وأصحاب الودائع) إلى سرعة التخلص من العملة القطرية وربما أيضاً الاستثمارات والأصول المقومة بها ويؤدي ذلك إلى خروج رؤوس الأموال وانخفاض قيمة العملة وربما تهاويها أو ما يسمى بالسقوط الحر Free Fall، أي الانهيار التام وهذا في أسوأ الحالات، وعلى أية حال، هناك بعض السيناريوهات من الناحية النظرية التي كان يأمل من خطط لهذه المؤامرة تحقيقها أو تحقيق بعضها، أو ربما كانت تدور في خياله وهي مفعمة بالإثارة والمغامرات، نستعرض بعضها هنا، ولكن النتائج المباشرة المأمول تحقيقها من انخفاض السندات القطرية هي: 1- ارتفاع تكلفة التأمين على السندات القطرية (بسبب ارتفاع المخاطر). 2- ارتفاع أسعار فائدة الإقراض لقطر. 3- انخفاض التصنيف الائتماني لقطر، وهذه بدورها تؤدي إلى صعوبات في الاقتراض من أسواق المال الدولية وربما عدم المقدرة على الاقتراض، ونظرياً هناك ثلاثة خيارات أمام أية سلطات مختصة في مثل هذه المواقف: 1- ألا تفعل شيء ولا تدافع عن العملة وهذا قد يؤدي إلى فقدان قيمتها وربما انهيارها، وذلك سيؤدي إلى كارثة اقتصادية وإلى ارتفاع معدلات التضخم بشكل حاد. 2- الدفاع المستمر عن العملة بالسحب من الاحتياطات فقط، وهذا قد يؤدي إلى استنزافها مع استمرار الضغوط مع الوقت، والخيار (3) والأفضل هو تبني حزمة من الإجراءات الاحترازية المباشرة بالإضافة إلى استخدام الاحتياطات ولكن رد فعل السياسات العملية في مثل هذه الحالات يعتمد على تقييم داخلي للأوضاع من قبل السلطات المختصة بناء على المعطيات على أرض الواقع وبطبيعة الحال أن يؤخذ بالخيار الأول فانخفاض قيمة العملة يهدد مصداقية واستقرار نظام سعر الصرف الثابت ويدفع السلطة النقدية والحكومة للتدخل للدفاع عن العملة والمحافظة على قيمتها عند سعر التثبيت الرسمي، والهدف من إطالة أمد الحصار هو استمرار الضغط على الاقتصاد، وعلى سعر الصرف والجهاز المصرفي واستمرار الضغوط على الاحتياطات الأجنبية بالسحب منها لاستنزافها مع مرور الوقت (كما أن تسييل الأصول في حالة الضغوط المفاجئة عند الحاجة قد لا يكون على أية حال بأسعار مناسبة) والهدف من ذلك إلحاق ضرر كبير بالاقتصاد والقدرة المالية للدولة الذي قد يصل في أسوأ الحالات إلى صعوبة أو عدم القدرة على تغطية تكاليف الواردات السلعية كالغذاء وغيرها من مواد أساسية أو رأس مالية ومعدات وغيرها من وسائل مواصلات ومواد بناء وتنمية البنية التحتية بشكل عام ومن ضمنها متطلبات منشآت كأس العالم، كما أن احتمالات المضاربات على العملة في مثل هذه الحالات لأغراض تحقيق الأرباح في الخارج أو الداخل قائمة، كما أن شهادات إيداع البنوك القطرية هي هدف للتآمر والتلاعب من قبل دول الحصار، والإمارات والبنوك الإماراتية على وجه الخصوص، لذلك يجب الحيطة والحذر. وفي حالة انخفاض قيمة العملة بشكل كبير فإن ذلك يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم بشكل حاد وارتفاع أسعار السلع والمواد الأساسية بشكل كبير كما هو الحال الآن على سبيل المثال في مصر)، وربما امتد ذلك إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي ومنه إلى الاستقرار السياسي بمرافقة الحملة الإعلامية المسعورة لإثارة الهلع وزعزعة الثقة والاستقرار، كما أن انخفاض قيمة العملة بنسبة تصل إلى 10% قد يؤثر في مصداقية نظام سعر الصرف الثابت، ولو انخفضت بنسبة كبيرة تصل إلى 40% فما أعلى قد يؤدي ذلك إلى زعزعة الثقة في نظام سعر الصرف واستقراره، وسيتطلب فترة طويلة من الزمن لاستعادة الثقة والتوازن فيه من جديد، وهذا سرد لسيناريوهات من الناحية النظرية وكان يؤمل تحقيقها أو تحقيق بعضها بناء على ما تكشف من تخطيط وتآمر، ولكن فرص نجاح هذه الخطط والمؤامرات كانت ضئيلة جداً لعدة أسباب، منها محدودية عرض الريال القطري في الأسواق الخارجية نظراً لقلة الطلب على مثل هذه العملات غير الدولية في الخارج، فالتعامل عليها خارج أوطانها محدود لأنها عملات غير متداولة عالمياً، كذلك الحال بالنسبة للسندات القطرية، فهي في معظمها في حالة غير سائلة (محدودة التداول)، ويتم اقتناؤها من قبل بنوك وبيوت استثمار عالمية عريقة ذات سمعة ممتازة تحافظ عليها لقبولها الائتماني والعائد الجيد عليها، والسندات السيادية القطرية تتمتع بتصنيف ائتماني مرتفع –AA، وكذلك البنوك القطرية بمعدل تصنيف ائتماني A، بالإضافة إلى ذلك فإن السلطات على علم بمثل هذه الاحتمالات مبكراً وقد تم أخذ التحوطات اللازمة لمواجهتها، وتراقب سوق سندات الدين القطرية عن كثب، كما أن عنصر المفاجأة قد إلتغى الآن، وفي النهاية فإن مستوى الاحتياطات النقدية والسيادية الضخم من الصرف الأجنبي لدى المصرف المركزي والحكومة يجعل من نجاح هذه المحاولات أمراً صعباً وينكسر على جدار الاحتياطات القوي الذي يرفده اقتصاد حقيقي قوي وأكبر منتج ومصدر للغاز الطبيعي في العالم، كل هذه العوامل تدل إما على قلة خبرة من يخطط لهذه المؤامرات والمحاولات، أو على مستوى اليأس والإحباط اللذين وصل إليهما، من حيث السعي لإيذاء قطر بأي وسيلة وأي ثمن، أو أن من جند للتخطيط وتنفيذ هذه المؤامرة يعلم أن فرص نجاحها ضئيلة، ولكنه يقوم بذلك على أية حال لتضليل من جنده واستغلاله مادياً.