26 أكتوبر 2025

تسجيل

في إشكالية استخدامات شبكات التواصل الاجتماعي

05 ديسمبر 2015

أفرزت التطورات التكنولوجية الحديثة في منتصف عقد التسعينيات من القرن الماضي نقلة نوعية وثورة حقيقية وجذرية في عالم الاتصال، حيث انتشرت شبكة الإنترنت في كافة أرجاء المعمورة، وربطت أجزاء العالم وجعلت منه قرية صغيرة ومهدت الطريق لكافة المجتمعات للتقارب والتعارف وتبادل الآراء والأفكار والتجارب، واستفاد كل متصفح لهذه الشبكة من البيانات والمعلومات والأخبار، وأصبحت أفضل وسيلة لتحقيق التواصل بين الأفراد والجماعات، وبعد الشبكة العنكبوتية ظهرت المواقع الإلكترونية والمدونات الشخصية وشبكات المحادثة التي غيرت مضمون وشكل الإعلام الحديث ووفرت نوعاً جديدا من التواصل بين أصحابها ومستخدميها. إن شبكات التواصل الاجتماعي مكنت المستخدمين من تبادل مقاطع الفيديو والصور والملفات وإجراء المحادثات الفورية، والتواصل والتفاعل المباشر بين جمهور المتلقين، وتعتبر مواقع التواصل الاجتماعي هي الأكثر انتشاراً على شبكة الإنترنت لما تملكه من خصائص ومميزات كالتفاعلية والتنوع والاندماج والحركية والعالمية، مما شجع متصفحي الإنترنت من كافة أنحاء العالم على الإقبال المتزايد عليها، في الوقت الذي تراجع فيه الإقبال على المواقع الإلكترونية الأخرى. ورغم الانتقادات الشديدة التي تتعرض لها الشبكات الاجتماعية باستمرار خاصة موقع الفيسبوك فإن هناك من يرى فيه وسيلة مهمة للتواصل والالتحام بين المجتمعات وتقريب المفاهيم والرؤى مع الآخر، والاطلاع والتعرف على ثقافات الشعوب المختلفة، إضافة لدوره الفاعل والمتميز كوسيلة اتصال ناجعة في التفاعل الاجتماعي. أسهمت شبكات التواصل الاجتماعي في كسر آليات الاتصال التقليدية وهيمنة السلطة على الإعلام خاصة الرسمي منه وبذلك التحكم في الرأي العام، فالبث الفضائي المباشر والتطبيقات المختلفة للإنترنت كالتدوين والمنتديات وشبكات التواصل الاجتماعي فرضت كلها منطقا جديدا وحضورا إعلاميا وعلنية لم تكن موجودة من قبل. فتدخل السلطة انهار، هذا التدخل الذي كان يحدد للجمهور ما يشاهد وما يقرأ وما يسمع. تواجه شبكات التواصل الاجتماعي تحديات كبيرة جدا نظرا لانتشارها السريع في مختلف أنحاء العالم ونظرا للخصائص والمميزات التي تنفرد بها. فهذه الشبكات تفرض تحديات عديدة ومتنوعة في مجالات كثيرة، فهناك تحديات أمنية وقيمية وأخلاقية وثقافية ولغوية وحضارية...إلخ. فهناك تحديات تتعلق بصحة ومصداقية العديد من البيانات والمعلومات التي تحويها بعض المواقع في ظل الحاجة إلى التعزيز المتواصل للقدرات الثقافية والتعليمية للمتلقي. هناك كذلك غياب الضوابط الضرورية لضمان عدم المساس بالقيم الدينية والاجتماعية والثقافية للمجتمعات، كما نلاحظ غياب الضوابط المتعلقة بنشر العنف والتطرف والإرهاب، في هذه الأيام أصبح المختصون يتكلمون على الإرهاب الإلكتروني واستغلال الجماعات الإرهابية لشبكات التواصل الاجتماعي لنشر فكرهم ولجمع الأموال وتجنيد الشباب للانخراط في صفوف الجماعات. من جهة أخرى نلاحظ ارتكاب الجرائم الإلكترونية باستخدام التقنيات الحديثة على شبكات التواصل الاجتماعي ناهيك عن قضايا القذف والتشهير ونشر الإشاعات. تنشر شبكات التواصل الاجتماعي هذه الأيام من دون حسيب ولا رقيب أفكارا هدامة ومن أهمها ازدراء الأديان والتشكيك فيها، إثارة النعرات الإقليمية، والدينية، والعرقية، والعقائدية، والطبقية، نشر الشائعات المغرضة، تحريف الحقائق بسوء نية، وتلفيق التهم، التشهير والإساءة للسمعة، السخرية المهينة، القذف والسب والشتم، واستخدام الألفاظ النابية والعبارات الجارحة، الدعوة للخروج على الحاكم، وعلى الثوابت المجتمعية، تشجيع التطرف، والعنف والتمرد، الحشد للتظاهر والاعتصام، والإضراب غير القانوني، الإباحية والانحلال، والفسق والفجور، التعريف بطرق تصنيع المتفجرات، وبتكتيكات الاعتداء، وإثارة القلاقل، وأعمال الشغب، الدعوة للتطبيع مع الأعداء، الإساءة للآخرين، نشر الخرافات، إضافة إلى الادعاء بحدوث معجزات، الإرهاب الإلكتروني والقائمة قد تطول. تتمثل تحديات استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في الاستعمال الرشيد والواعي والمسؤول، حيث كشفت الممارسة في أرض الواقع العديد من السلبيات ومن الاستخدامات غير المسؤولة شبكات التواصل الاجتماعي منبرا للنميمة والإشاعة والشعوذة والتضليل والتشويه. التحدي الأكبر هو كيف نعلم الشباب استخدام الشبكات الاجتماعية بمسؤولية وانضباط ووعي والتزام؟ وكيف يوظفها للحصول على العلم والمعرفة لخدمة التنمية المستدامة والتطور والازدهار والرفاهية؟.