30 أكتوبر 2025

تسجيل

جردة حساب بعد أربع سنوات من الانتفاضات

05 ديسمبر 2015

هل كانت الثورات العربية التي انطلقت عام 2011 كارثة على المجتمعات العربية، حيث دخلت معها المجتمعات في دائرة جديدة من التدهور الحضاري والانكفاء نحو إعصار من العنف السياسي والفكري والديني، يمارسه الكل ضد الكل؟ أظن أنه بعد أربع سنوات من عمر الانتفاضات الشعبية لابد من جردة حساب حول التحولات التي أنتجتها تفاعلات الأحداث وسياقاتها في العالم العربي، وتحديدا في الدول التي ضربها تسونامي الثورات، وتلك التي عاشت تداعيات هذه الضربات دون أن تتلقاها مباشرة. لاشك أن المتابعة الهادئة والقراءة المـتأنية والعميقة لتسلسل الأحداث وارتباطاتها الداخلية فيما بينها، وكيف أفضى كل حدث إلى الذي يليه حتى تحولت أحلام الشباب إلى أطلال وتبدلت المعادلات من "عيش، حرية، كرامة إنسانية" إلى صراع عنيف بين قوى استئصالية تماما، تلعب أدواراً مختلفة لكنها متكاملة فيما بينها. إحداها باسم الاعتدال الديني، وهي تمارس إرهاب دولة. وأخرى باسم التحرر والانعتاق من الاستعمار وملحقاته الداخلية وهي تستأصل كل اختلاف مشروع، وتكفر بالكرامة الإنسانية. في الحقيقة، كلتا القوتين تفتك في جسد المجتمع، وتفتته، وتحرضه لينهش بعضه بعضا دون رحمة أو تفكير في إمكانية للتعايش. وكلتاهما تقاتل باسم المقدس. الأولى مشروعها تنقية الدين مما تقول إنه انحراف طارئ، والأخرى مشروعها قتل الآخر لتحقيق وعد الدين في الدنيا ونيل جزائه في الآخرة. والحال الأكثر انطباقا لواقعنا الكاسد أننا أمة تنتحر. فالسلطة تجهز على المجتمع لتقضي على أي تنوع فكري وسياسي وتريد من الجميع تقديم فحص دم يومي لإثبات الولاء المطلق لتوجهاتها وتوجيهاتها في حماية الدولة والمجتمع مما تزعم أنه يتهددها. وهي بفعلها هذا تحارب مفهوم الدولة نفسها التي تدعي حمايتها، وتقتل "الوطنية" نفسها التي تنظر على المجتمع في إشكالها وتطبيقاتها مستخدمة أبواقها الإعلامية، لكنها مواطنة من نوع آخر، مواطنة تُختزل في النظام وليس في الدولة القومية أو الوطنية. ورأس السلطة أو من يقود النظام هو الدولة نفسها، وليست المؤسسات المنتخبة من الشعب، وتعود إلى الشعب عند أي معضلة تهدد شرعيتها ووجودها.كما أن اختطاف الدين من أناس يدعون اليوم فرضه على المجتمعات بقوة السلاح، ويخيرونهم بين إسلام أنتجته تصوراتهم العميقة من واقع مشوه، وتاريخ غير مغربل. وقد ارتضته عقولهم، وألفته أنفسهم الجامحة وبين القتل والاستئصال والاغتيال المادي والمعنوي فاستحال الآخر عندهم إلى كافر مرتد، مباح الدين والعرض والمال. المجتمع اليوم يطحنه المتطرفون المتفقون على فعل أي شيء مهما كان قبيحا في سبيل ما يرونه مصالح الأمة العليا. وهي في الحقيقة مصالحهم الخاصة الضيقة التي تزول بزوالهم. ما لم يعاد النظر في العلاقة بين المؤسسة الدينية والنظام السلطوي تاريخا ومعاصرة من ناحية، واستعادة الإسلام المختطف من جماعات وليدة التشوه الاجتماعي، فلن نراوح مكاننا.وستغدو مشاكلنا تنتج نفسها بأشكال مختلفة كل عقد أو عقدين من الزمن، ولن يكون لأي صوت نطلقه صدى في عملية الإصلاح المرتجى. تأسيساً على ما فات، فإن الانتفاضات الشعبية التي لم يثبت أنها كانت مؤامرة خارجية خُطط لها خارجياً، لم تكن إلا إنعاشا لجسد مريض مسجي على سرير الموت، وما تلاها من أحداث ليست إلا تداعيات هذه الصدمة المطلوبة تكرارها لإحداث نقلة نوعية في حياتنا أو فلننتظر الموت الحضاري عاجلاً غير آجل.