14 سبتمبر 2025

تسجيل

نحن وإيران.. وغياب الرؤية الإستراتيجية ؟

05 ديسمبر 2013

التفاهمات الجديدة بين أمريكا وإيران يتوقع أن تكون لها تداعياتها وامتداداتها في كل ملفات المنطقة، في أفغانستان والباكستان، وفي الخليج وفي الشام وفي طول وعرض مساحات التعارك السني الشيعي، والإيراني العربي، والغربي الإسلامي.. فإذا أضفنا لذلك التمددات غير الجغرافية من اقتصادية وأمنية.. إلخ.. فإننا نتكلم حينئذ عن حدث يراد له أن يتجاوز المنطقة كلها إلى العالم بأسره، وأن يتجاوز الحالة الراهنة إلى عديد السنوات وربما إلى القرن القادم كله.. البعض يستهين بهذه التفاهمات، ويحاول أن يقنع نفسه بأنها مجرد محاولات أمريكية لاحتواء إيران التي تناقضاتها معها أكثر من أي توافقات، ويتوهم أن شيطانا مهولا يكمن في تفاصيل الملفات كفيل أن يفجر أي تفاهم بينهما مهما علا شأنه أو أهم الطرفين أمره.. طائفة من دولنا القابعين في الحديقة الخلفية لأمريكا يتصورون أن ما بينهم وبينها من المصالح كفيل بحفظ حد عال من الثقة يتجاوز العثرات ويغلب أي مستجدات.. وذلك يذكرنا بمراسلات وزير خارجية بريطانيا " السير هنري مكماهون " للشريف حسين وكان يطمئنه فيها على صداقة بريطانيا وأنها لن تخلف وعدها له بإقامة مملكة عربية على أنقاض الخلافة الإسلامية يكون مليكها.. فيما كانت على الحقيقة تخدعه وتغشه وتتآمر مع اليهود ضده وضد الدولة العربية الموعودة.. وعلى كل لست الآن في معرض التوسع في تقييم مدى موضوعية الثقة في أمريكا والارتكان لصداقتها قياسا أو استقلالا عن قصة بريطانيا والعرب.. وبالعموم أقول : لا بد من الأخذ في الحسبان جملة تحولات تجعل تفاهمات أمريكا والغرب مع إيران ذات بعد جدي وجوهري واستراتيجي وعالمي يتجاوز كل أصدقاء أمريكا في المنطقة وكل المصالح معهم.. وحتى نرى هذا القدر من الخطورة والأهمية ؛ لنلحظ ما يلي.. أما من جهة أمريكا والغرب فهم لم يستطيعوا إيقاف المشروع النووي الإيراني، وبات واضحا أن الدخول في حرب عدمية مع إيران لن يوقف هذا المشروع بقدر ما سيكون خطرا حقيقيا على ( إسرائيل )، وبقدر ما سيفجر من معادلات الاستقرار النموذجي الذي تبحث عنه أمريكا في المنطقة بالأخص بعد انحسارها في العراق وأفغانستان وفقدانها زمام أمور كثيرة طالما أعدوا وخططوا ونفذوا وأنفقوا عليها.. الغرب رأى صعود نجم الإخوان المسلمين – السنة – ورأى النظم التي كان يعول عليها أن تجفف منابعهم قد صارت بين متعاطف يؤيدهم وربما يدعمهم، وخائف لا يحتك ولا يصطك بهم، ومتآمر عليهم لكنه عاجز عن تحقيق إنجازات حقيقية في مواجهتهم.. الغرب رأى أيضا الثورات العربية واستشرف ما ستتمخض عنه من اتجاهات الحرية والاستقلال والشعبية.. وتيقن أن كل ذلك لا يمكن وقفه بحرب مباشرة فضلا عن إفلاس غير المباشرة.. وهنا بالضبط أتى دور إيران التي يعول على أنها ستتمكن من إشعال المنطقة بحروب طائفية تعثرها لعشرات وربما لمئات السنين.. ( أنصح هنا بدراسة أفكار المستشرق الصهيوني الأمريكي ربيب البيت الأبيض برنارد لويس للاطلاع أكثر على أبعاد المشروع الفتنوي الطائفي الذي يراد لإيران أن تقوده في المنطقة ) هذا البعد يأخذ جديته من أن الإخوان بلغوا بالفعل قمة الحكم في دولتي رأس العلمانية الغربية الإلحادية - تركيا ومصر - وثبتوا رؤيتهم وصفاء عقيدتهم وسلمية منهجهم بما جعلهم الخيار الأوحد في طول بلاد العرب والمسلمين وعرضها، وصاروا البديل الوحيد لأي نظام متأسرل ومتأمرك يسقط.. من هنا وجد الغرب في إيران وطائفييها القِرن المكافئ للإخوان الذي يناهزهم شعبية وعقدية وتنظيما.. وهنا بالضبط تجلت المصلحة الغربية الإستراتيجية في التحالف مع إيران.. وإيران أيضا وعلى ذات قاعدة مواجهة المد الإخواني السني والثوري العربي أتت بالنسبة لها هذه التفاهمات ؛ فإيران تريد مساحات عمل وهوامش تأثير وفرص تدخل لحماية مشروعها الفارسي ثم الشيعي الطائفي في لحظة يكاد ينهار هذا المشروع على من فيه وبكل ما فيه وكل ما يسعى إليه.. تحت وقع الثورة السورية التي قسمت الشيعة عن السنة وقسمت إيران عن العرب، وجعلت النظام في سوريا في مرمى السقوط، بما سيسقط تلقائيا حزب نصر الله وشيعته، ويقلم أظافر إيران في العراق.. فإذا جمعنا مع ذلك حصار الغرب لإيران وقدرته على تجيير الباكستان وأفغانستان والهند وبعض الدول العربية ضدها.. فنحن إذن نتحدث عن موت سريع وليس بطيئا للمشروع التاريخي القومي الديني الذي تطمح إليه إيران.. صحيح أن لإيران تناقضات مع الغرب ومع أمريكا وإسرائيل، وبالتحديد على خلفية تدافع الهيمنتين، وصحيح أن الشعارات الثورية التي أطلقها الخميني لا تزال نافذة في شعبه، وصحيح أنه مرت العلاقات الإيرانية الغربية بسلسلة طويلة من التصعيد والتصادم وتأججت مع البرنامج النووي ؛ لكن صحيح أيضا أن لدى كل من أمريكا والغرب وإيران الدافعية الكاملة لإبرام هكذا تحالف، وصحيح أيضا أن السياسة لا تعرف الجمود وفي كثير من الأحيان لا تعرف المبادئ والأخلاق.. آخر القول : إذا كانت أمريكا استطاعت بالتفاهمات أن تحتوي إيران والنظام السوري وحزب نصر الله وأن تضمهم لعدتها، واستطاعت أن تعيد مصر إلى حظيرتها بالانقلاب، فلماذا لا يزال البعض ممن هم في مرمى هذا الحلف الشيطاني لا يزالون يتآمرون على المكافئ الوحيد لذلك وهو الشعوب والثورات والإخوان وعقيدتهم وإمكاناتهم؟