14 سبتمبر 2025

تسجيل

لتصفو الثورة وتنبني على صلابة

05 ديسمبر 2012

حسب موقع "نافذة مصر" - المعروف - فإن برقيات دبلوماسية مسربة في القاهرة كشفت قيام السفارة الأمريكية بالاجتماع والتمويل لعدد من المعارضين الذين أمدوها بمعلومات وقراءات حول مستقبل مصر السياسي بعد ثورة 25 يناير وأن ذلك يقع ضمن مخطط لضرب الأغلبية "الإسلامية" وإحداث وقيعة بين الشعب وحكومة الثورة الحالية التي شكلها رئيس الجمهورية الدكتور "مرسي".. البرقيات كشفت بالتفصيل أسماء رموز من فلول النظام السابق وجهاز القضاء والتيار الناصري ومن مرشحين – ساقطين – في انتخابات الرئاسة - وأقول: الأكيد أن المعارضة في مصر ليست كلها على هذه النسق من العمالة والنذالة؛ ولكن لا ينكر أيضا أن المعارضة اليوم تضمهم وتحتضنهم.. وإن من عجب أو عتب فلا عجب ولا عتب على شخص يصرح لـ"دير شبيجل الألمانية" أن سبب دعوته لإسقاط تأسيسية الدستور كونها تضم أناسا يرفضون الاعتراف بالهولوكوست "اليهودي – النازي" هذا الشخص لم نعرفه إلا من خلال تقاريره لوكالة الطاقة الذرية التي أسندت الاحتلال الأميركي للعراق وتسببت في تدميره وإعادته خمسمائة سنة إلى الوراء، ولا عجب ولا عتب على شخص آخر تناقلت الأخبار اجتماعه بتسيبي ليفني وزيرة خارجية الاحتلال السابقة خلال زيارته لفلسطين يوم 4/11 الماضي قبيل العدوان الأخير على غزة.. لينسق معها مخطط إرباك الرئيس "مرسي" وهل يستغرب ذلك من شخص ظل عشر سنوات وزير خارجية لنظام حسني - سوزان وكان مرضيا منهما إلى أن قدماه بعد ذلك ليكون ولي فسادهم وتدخلاتهم في المحيط العربي، ولا عجب ولا عتب أيضا على أولئك الفاسدين من فلول الحزب الوطني المنحل الذين أسقطتهم الثورة ووضعت رقابهم تحت أو قرب سيف العدالة في جرائم وطنية وجنائية فيدفعهم الخوف والثأر لمعارضة تحرق الأخضر واليابس.  لكن العجب والعتب على صنف آخر رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وهم الذين طالما انتسبوا للوطنية وطالما دافعوا عن القومية وعن المقاومة.. أن يحتضنوا أولئك الفاسدين والعملاء والمنبوذين، وأن يوطئوا لهم أكنافهم حتى صيروا أنفسهم مطية وحصان طروادة يدخل المرجفون من خلالهم إلى ميدان التحرير ويطمعون بالعودة على أكتافهم إلى القصر الجمهوري.  هذا إذ نتحدث عن المعارضة العدمية العبثية التي تعمل على إدخال مصر في فراغ دستوري وعلى تكبيل يد الرئيس لمجرد إفشاله، ولسنا نتحدث عن العلمانية كفكرة ولا عن الليبرالية كمذهب إنساني ولا عن القومية كتيار وطني فهؤلاء بالتأكيد ليس كلهم على شاكلة أولئك.. وفي جهة الثورة والرئيس منهم محترمون ووطنيون.. لكن ومع ذلك وتحت هذا الفرز فقد صار على كل اتجاه وعلى كل مصري اليوم أن يختار أحد خيارين اثنين ولا تحتمل الحالة المصرية والتدخلات الخارجية أن يكون معهما ثالث؛ فإما لمصر ودستورها واستقرارها وشرعيتها ونيلها وأهراماتها وإلى العدالة والحرية إما إلى الضياع والفلتان والدولة الفاشلة.  وللإسلاميين أقول: إن أعداء فكرتكم لم يقبلوا أن يكون منكم رئيس بلدية، وقد رأيتم كم كانوا يزورون الانتخابات أو يغيرون القوانين لأجل الحؤول دون ذلك! فهل تتوقعون أن يقبلوا اليوم منكم رئيس جمهورية؟ وأن يكون ذلك في مصر التسعين مليونا وعلى حدود "إسرائيل" وضفاف الاستراتيجية الأميركية الغربية لهذه المنطقة بالذات! وأقول: ألم يقل لنا رب العزة ذات يوم (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون)؟ لاحظوا التعبير بكلمة "ودّوا" التي تمثل حالة نفسية لدى أعدائكم تعبر عن شدة قصدهم ومكنون رغبتهم وعن عمق الغش والمشاققة والعداوة في ضمائرهم.. وإذن فالمسألة ليست خلافا على مادة في الدستور، ولا على صياغة لغوية لفكرة حسنة أو سيئة، صائبة أو خاطئة، ولا المسألة بحثا عن لقيا.. بالتالي فخلافهم لا ينتهي بتنازل هنا ولا بمهادنة هناك، وخذلانهم لا يتوقف على القبول بحوار ولا على التذكير بحق الوطن.  ومن ينظر في سنن الله تعالى ويتبصر ترشيدات القرآن العظيم ثم ينزل ذلك على الثورة في مصر وما تحقق من نصر لهذا الشعب العظيم المظلوم حتى الآن يقتنع أيما اقتناع بأن ما يجري هناك من خصومة وتمحيص لا بد أن يجري ولا بد أن يقع ؛ فقد اختلط في الثورة فاسدون ومزيفون وعملاء قبيحون بالإسلاميين والوطنيين وبالثوار والأحرار ورفعوا ذات الشعارات، ونافسوا على ذات المنصات، ومنهم من لبس مسوح الوطنية والثورية منذ اليوم الثاني بل من عشية ليلة انتصار الثورة، وقاموا يزايدون على الأصلاء.. فساووهم وربما رجحوا بما أوتوا من لحن القول وذرابة اللسان ودراية بالميديا والتأثير على بعضهم.. حتى كادت الجماهير لطبعها الطيب وتسامحها الأصيل أن تنسى خستهم ونذالتهم وخبثهم فنالوا وجاهة وتسويقا لذواتهم وتياراتهم لم يكونوا يستحقونها.. ولو استمرت وتصاعدت فقد تودي بالثورة كلها كفكر واتجاه ثم كإنجاز وتحصيل.  جاء قدر الله تعالى بفرز هؤلاء عن هؤلاء وتمييز أولئك عن أولئك ليرحم مصر منهم وليجنبها شرور ما ينتوون لها وليحبط ما يتآمرون عليها ويمكرون بها.. فتأتي الأحداث تظهر مواقفهم الحقيقية وتعزلهم إلى حيث يجب أن يكونوا على الحقيقة لا على التزوير وبالشواهد والقطعيات لا بالظنون والتوهمات.  هذا الفرز كان لا بد منه، وهو شرط النصر المتبقي لتصفو الثورة ولتنبني لبناتها الأولى على ولاء ولتقوم على صلابة لا تهدمها عثرة ولا تغلبها خباثة ؛ فسبحان من جمع الفاسدين المقبوحين بالاستبداديين الظالمين مع العملاء المتهرئين (ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون) و(ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب).  آخر القول: ما يجري في مصر اليوم من فرز وحزازات بين محب موال للثورة ومن معارض معاد لها هو بالتأكيد ليس رغبة من الإسلاميين والوطنيين في جريانه، ولكنه يعبر أيضا عن فرز في الجهتين، وهو تمحيص وتشخيص لا بد منه ولا تستغني ثورة عنه.. والنصر ليس وراء الباب وليس يتحصل بالنوايا الطيبة فقط ولا بمجرد الأدعية المأثورة.. لكنها عزائم الرجال وتراكمات الأجيال حتى تنضج التجربة ويصفو الماء ويعظم الانتصار.