19 سبتمبر 2025
تسجيلعشرون عاما وقناة الجزيرة تمخر عباب بحر الإعلام الدولي المتلاطم الأمواج.. قبل نحو 12 عاما زعمت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أن رجل أعمال إسرائيليا أجرى مفاوضات لعدة أشهر مع الجانب القطري لشراء 50% من أسهم الجزيرة، وجاء زعم الصحيفة في إطار لغط حول صعوبات مالية تعترض مسير القناة التي أحدثت حراكا عنيفا في بركة الإعلام العربي الراكد. ولم يدر المستعجلون لخفوت نجم الجزيرة ثانوية قضية التمويل بالنسبة للقناة؛ إذ أن هدف مؤسسيها ليس أقل من تحقيق طمـوح ثقافي قومي وخلق منافسة إقليمية ودولية قوية، تنتزع النصر في معركة كسب الرأي العام عربيا ودوليا. ويعود اهتمام الدول العربية بالبث التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية إلى العام 1967م عندما عقد مؤتمر وزراء الإعلام العرب في بنزرت بتونس واتخذ قراراً بدراسة استخدام التكنولوجيا الحديثة في تطوير وسائل الإعلام العربية، ومنذ ذلك الحين تكاثرت الفضائيات العربية رويدا رويدا، حتى بلغت أعدادا كبيرة يصعب حصرها بسهولة، لكنها لم تخرج عن القوالب النمطية؛ فإما أن تُسبّح بحمد الحكومات أو تغرق في الرقص والغناء وربما الدجل والشعوذة. ولا تكمُن الإشكالية الماثلة في مجال البثّ الفضائي العربي في إنشاء القنوات التلفزيونية بل في كيفية استغلالها واستثمارها، لبلورة مضمون ثقافي وحضاري عربي قادر على التعايش مع الثقافات الأخرى في ظل هجمات العولمة الثقافية الشرسة. بيد أن قناة الجزيرة تقف دون غيرها من الفضائيات العربية موقفاً متقدماً في ميدان الإعلام العربي، إذ إن البرامج السياسية والحوارية حول مختلف القضايا التي تهم الشأنين العربي والدولي، مع وجود عناصر مختلفة الاتجاهات والثقافات على منصة تلك الحوارات الحيّة، قد وضع تلك البرامج عالية المستوى على رأس الخطوات الضرورية في واقع الإعلام العربي وتحريره من الأطر الجامدة، وانتقاله من مكاتب صياغة الأخبار والتقارير، إلى شارع الحدث السياسي، مما خلق توترا إيجابيا يخدم الحقيقة ويشرك المتلقي في الحدث بقدر أكبر من الحيادية والموضوعية. ووضعت التغطية الإعلامية لثورات الربيع العربي - على سبيل المثال - ضغوطاً على الحكومات العربية التي لم يعد بوسعها أن تقف شاهداً سلبياً على ما يجري في المنطقة، وهذا أعطى مزيداً من قوة التأثير للإحساس بالترابط الجماعي وسط شعوب المنطقة. وشكلت الجزيرة حائط سد متينا لحماية المشاهد العربي من التدفق الإعلامي الغربي ومن التشويه والنمطية وتغيير الواقع حسب أهواء ومصالح القوى الفاعلة في النظام العالمي، كذلك عملت الجزيرة على إبراز الهوية العربية الإسلامية والثقافة والحضارة عبر ما تبثه من برامج وإنتاج فكري وأدبي، الأمر الذي ساعد في مواجهة التحدي الحضاري والقيمي وإيقاف ذوبان التراكم القِيمي والمعرفي والاجتماعي العربي في الثقافة العالمية وخاصة بعد أحداث سبتمبر 2001م في الولايات المتحدة الأمريكية. لقد تمكنت الجزيرة باعتبارها ناطقة بلسان الشعوب العربية من القيام بدور وساطة بين الدولة والمجتمع، وقدمت إسهامات هائلة في مجال تدفق الأخبار، الذي يسيطر عليه الغرب عادة. وربما لأول مرة في التاريخ على الإطلاق يضع العرب تحت تصرفهم أداة لنشر المعلومات مؤثرة ومواكبة للعولمة يطلعون من خلالها العالم على آرائهم الخاصة بشأن النزاعات الإقليمية سواء فلسطين أو العراق أو سوريا. ستواصل الجزيرة النجاح طالما هناك قاعدة اقتصادية متينة تمكنها من الحصول على تكنولوجيا الاتصال. وكذلك وجود قاعدة علمية وثقافية تمكنها من إنتاج المعلومات وتوزيعها واستهلاكها. وفوق كل ذلك توافر مناخ ملائم من حرية الرأي، مما يسهم في تفاعل قوي بين الجمهور والجزيرة وهذا ما دعم وجودها وأعطاها مبرراً للبقاء.