03 نوفمبر 2025
تسجيلخلق الله تعالى هذا الكون متوازنا في كل شيء، (والأرض رفعها ووضع الميزان) الشمس يوازنها القمر والليل يوازنه النهار، وكذلك الأمر في النفس البشرية منذ الصغر، فالإنسان جزء من منظومة كونية متوازنة، فكان لزاما أن يتوازن مع الكون ويتناغم معه. الثبات والاتساق هي القاعدة الأولى من قواعد التربية المتوازنة، بحيث يكون هناك ثبات عند الوالدين في مواقفهما التربوية وفي تعريفهم الخطأ والصواب، فما قيل إنه صواب يجب أن يبقى صوابا باستمرار، وما قيل إنه خطأ يجب أن يبقى خطأ باستمرار، ولو اكتشف الأب أنه أخطأ في تصور ما يأتي ويبين لولده، ولا بأس من الاعتذار، مع وجوب حرص الأب على عدم تحديد الصواب والخطأ إلا بعد دراسة وافية، لأن كثرة الاعتذارات تدل على أب غير ناضج. القاعدة الثانية من قواعد التربية المتوازنة، هي أن نقدم للطفل تفسيرا مقنعا للأوامر التربوية، فإذا أعطى الأب أمرا تربويا معينا بالمنع وجب أن يعرف الطفل أسباب هذا المنع، فلما يُمنع هذا الطفل من شيئ يحبه، ولماذا تمنع الفتاة من لعبة تريد شراءها، ويجب أن تكون هناك أسباب وجيهة يفهمها الطفل، قد نقول أحيانا أننا لا نملك أسبابا وجيهة، وأقول إنكم إذا بحثتم جيدا في أنفسكم فستجدونها.القاعدة الثالثة من قواعد التربية المتوازنة هي إدراك المربي أن الطفل يحيا بمبدأ اللذة، في حين أن الكبير يحيا بمبدأ الواقع، فنحن الكبار نعيش واقع الأمة والوطن والمشاكل الحياتية المختلفة، أما الطفل فلا يحيا كذلك، أنه يحيا بمبدأ اللذة فقط، فنحن عندما ننقله لمبدأ الواقع فجأة نكون كمن ينقل سمكة لتعيش في البر رغما عنها، والسمكة تعودت أن تعيش في الماء، وهو اللذة بالنسبة للطفل، أما البر فهو مبدأ الواقع والعمل والجد، ولذلك يجب علينا التدرج في نقل الطفل لهذا الواقع. وبما أن الطفل يحيا بمبدأ اللذة فلا يجب أن نعاتب الطفل على أفعاله، لأن مرجعتيه للصواب والخطأ منطلقة من أن هذا الأمر لذيذ أو غير لذيذ، ولذلك إن أردنا أن ننمي أطفالنا ليدخلوا بمرحلة الكبار يجب أن تكون هذه العملية رحلة ممتعة لهم.إن بعض الآباء القلقين أو الطموحين جدا يطلب من ابنه أمرا فوريا، ويريد من طفله أن يغير شخصيته ومحبوباته خلال دقائق، يجب أن نقبل بالبطء في مثل هذه العملية، لأنها بطبعها متدرجة ومليئة بالعقبات، والنمو الطبيعي هو الصعود بتعرج، فحينما يأتي تعرج بسيط لا نقول أننا فشلنا، فهذا هو الطبيعي أثناء التنقل بين مرحلة الطفولة والمراهقة والشباب، فالطفل هنا كالثمرة التي تنموا وتحتاج لفترة معينة حتى تنضج تماماً. يجب على المربي الذكي أن يحافظ على حب الطفل له، فبعضنا يفرح لأن الطفل يهابه، ولكن أتدرون ما فائدة حب الطفل لكم؟ معنى ذلك أنه سيحب قيمكم وقواعدكم الأخلاقية وينتمي إليها، بل وسيتبناها لأنه يتعامل معها كمحبوب لا كواجب، إن ذلك من أهم الطرق التربوية التي تسهل على أبنائنا أن يعيشوا القواعد القيمية التي عندنا، وكلما حاولنا رفع مستوى المحبوبات كلما عاشوا ما نريده منهم، وهذا مطلب أساس لا يحققه إلا الناضجون من الناس، أولئك الذين يركزون في تربية أبنائهم بلا تعجرف أو تساهل.إن النمو هو رحلة تبدأ بالطفولة ثم المراهقة ثم الشباب، ويجب على المربي أن يدرك هذه الفترات ويستبصر بخصائصها النفسية والعقلية، فالطفل ما قبل السابعة لم يحيا الضمير بعد، فلا نكثف عليه لغة المبادئ والأخلاق، لأن الضمير لن يحيا فيه قبل السادسة أو السابعة. يبدأ الضمير في الطفل من عمر التاسعة، حيث يبدأ الشعور بنمو الاتجاهات والمواقف والمبادئ في هذا السن، ومن هنا تنبع أهمية المرحلة التي يحياها الطفل بين التاسعة والثانية عشرة من عمره، ويجب على المربين استثمارها أيما استثمار ففيها هدوء وبراءة الطفولة وفيها عقل المراهقة بلا عنف.ثم تأتي فترة المراهقة، وهي تنقسم إلى ثلاث فترات أساسية، الأولى هي فترة الموافقة، وتأتي في نهاية الطفولة، والثانية هي فترة المعارضة والمصادمة حتى للأمور الصائبة، والثالثة هي فترة التوازن، وللوصول إلى المرحلة المتوازنة يجب أن أدرك هذا التدرج الذي التي يحياه الطفل، وما هو التغير المعرفي الذي يمر فيه، فأبدأ بضخ أفكاري في كل مرحلة بما يناسبها.