31 أكتوبر 2025
تسجيلقراءات كثيرة تتكهن بالأسباب التي دفعت دمشق للقبول بالمبادرة العربية لحل الأزمة السورية بعد تعنت واضح، أو على الأقل، بعد تحفظ على نقطتين أساسيتين فيها، الأولى: الحوار مع المعارضة خارج الحدود السورية، والثانية: ترؤس قطر للّجنة العربية. أياً تكن الأسباب التي دفعت دمشق لإعادة النظر في النقطتين سالفتي الذكر، فإن اللافت هو القلق السوري من تدويل القضية في حال قطعت دمشق الطريق على رؤية الجامعة العربية لحل الأزمة. من هنا، ربما نفهم مضمون الحوارين اللذين أجراهما الرئيس السوري بشار الأسد مع كل صحيفة "صاندي تلغراف" و"التلفزيون الروسي"، حيث حذر من أن التدخل الدولي في سوريا سيخلق عشرات الحالات من أفغانستان في الشرق الأوسط، تزامن ذلك مع الثناء التام على الموقف الروسي الداعم حتى حينه لدمشق في المحافل الدولية، ومؤكداً على حاجة دمشق لبقاء الدعم الروسي لها. مضمون ما جاء في الحوارين، في الوقت الذي تتحدث فيه دمشق عن تفاهم مع الجامعة العربية لحل الأزمة، يكشف عن قلق سوري دفين من تحول ما في الموقف الروسي الداعم للمبادرة العربية، لاسيَّما وأن تصريحات كل من واشنطن وأنقرة تزداد حدّة ضد النظام، وليس عفوياً في التوقيت أن يقول رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إن بشار الأسد فقد شرعيته وإن الشعب السوري سينتصر في نهاية المطاف. وإذا ما جمعنا هذه الأحداث مع بعضها يُرجح لدينا صحة المعلومات المسربة من أنقرة أن حواراً روسياً تركياً مكثفاً، بدء به الأتراك وبإيعاز أمريكي لتطمين روسيا على مصالحها في المنطقة بعد رحيل النظام السوري. وفي هذا، فإن مهمة أنقرة تنحصر في طمأنة موسكو حول هواجسها المتمثلة في النقاط التالية: * الأولى: القلق الروسي من تنامي النفوذ التركي وتمدده نحو أراضيها، وأثر ذلك على القوميات الروسية التي تنحدر من أصول تركية، سواء داخل الحدود الروسية الرسمية أو تلك المتولدة من الاتحاد السوفيتي السابق والذي تملك فيه روسيا نفوذا قويا وكبيرا. * النقطة الثانية: تتخوف روسيا من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بسبب جذوره الإسلامية، وهي قلقة من أن يعزز ذلك تنامي نفوذ الإسلاميين في الشيشان وداغستان وغيرها من المناطق الروسية التي شهدت انتفاضات إسلامية راغبة بالانفصال عن الجسم الروسي. وقد سبق لتركيا تاريخيا أن كان لها تأثير واضح على مسار التحركات في تلك المناطق والأقاليم وهي إلى جانب إيران تعتبر من اللاعبين الأساسيين في التأثير على العرقيات الروسية المنتشرة على بقاع من أراضي روسيا المترامية الأطراف. * النقطة الأكثر جدلاً لروسيا هو سماح أنقرة لحلف الأطلسي نشر دره الصاروخي في تركيا. . وموسكو، وإن كانت تعتبر ذلك موجها بالدرجة الأولى للخطر النووي الإيراني فإنها ترى في نشر الدرع خطورة على أمنها القومي حيث قد يلعب دوراً كبيراً في التجسس ويشكل تهديداً للهيبة الروسية في الإقليم، كما قد يؤثر على أوراق موسكو الداعم لطهران في المحافل الدولية حيث استغلت دعمها لطهران في تحسين شروط التفاهمات مع الولايات المتحدة. وروسيا، وهي دولة تأمل حالياً أن تعود لسابق عهدها ونفوذها التاريخي الذي يحلم به رئيس الوزراء بوتن الراغب بالعودة من جديد إلى الكرملين، ترى الفرصة متاحة لها اليوم للعودة لنفوذها القديم بعد الضربات التي تتلقاها "منطقة اليورو" ما قد يؤثر على مستقبل الاتحاد الأوروبي برمته الذي أنشأ أصلاً لحماية دول الاتحاد من النفوذ الروسي ولمنافسة الأقطاب الاقتصادية العالمية مثل اليابان والصين والهند وغيرها. روسيا، المفاوضة من أجل مصالحها والراغبة دائما بالبقاء حيث أماكن نفوذها، ترى سقوط النظام في سوريا يشكل خطراً على مصالحها. وهي، كما يرى المراقبون، غير معنية بحماية النظام السوري كما غير معنية بدماء شعبه، وإنما عينها على استثمار الورقة السورية في المحافل الدولية للحفاظ على أكبر قدر من مصالحها مع خصومها التاريخيين، الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي. ومن هنا، فإن العبء الملقى على عاتق أنقرة، من خلال الحوارات السارية حالياً، هو تطمين روسيا حول تنامي النفوذ التركي، ومن ثم إقناعها أنه ليس من مصلحتها تكرار موقفها مع الأزمة الليبية التي كانت روسيا أكبر الخاسرين فيها، وبناء عليه، فإنه ينبغي أن تتخذ موقفاً أكثر ليونة مع المجتمع الدولي.. ولعل توجه الرئيس السوري بشار الأسد عبر "تلفزيون روسيا اليوم" بالشكر لروسيا على موقفها في مجلس الأمن وتأكيده على حاجة دمشق لدعمها يعكس قلق سوريا من تحول في الموقف الروسي كلما طالت الأزمة وعجزت دمشق عن احتوائها.