18 سبتمبر 2025
تسجيلمفاوضات ماراثونية يبدو أنها وصلت إلى طريق مسدود بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان وحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) لبحث مشاركة الأخير في أول حكومة عقب انفصال جنوب السودان ختمت بلقاء قيل إنه عاصف بين زعيمي الحزبين (عمر البشير ومحمد عثمان الميرغني).. المؤتمر الوطني طالب الحزب الاتحادي بأن يختار ما بين أن يكون في الحكومة ويشارك فيها بكامل المسؤولية أو المعارضة ويتحمّل مسؤوليته.. اعتراض المؤتمر الوطني يتمثل في أنه يرى الحزب الاتحادي سيشارك في المعارضة والحكومة في آن واحد وهذا ما عانى منه إبان شراكته مع الحركة الشعبية قبل الانفصال.. المؤتمر الوطني رفع (فيتو) ضد قياديين بالحزب هما الطيب هجو وعلي محمود حسنين وقد اختارا العمل المعارض المسلح وقيل إن البشير طالب الميرغني في ذلك الاجتماع العاصف بفصلهما.. في الوقت نفسه أبدى (الاتحادي) زهده في مشاركة لا تليق بقيمة وقامة الحزب، مما يشير إلى أنه تلقى عرضا من حيث عدد الوزارات ونوعها لم يرض طموحه.. قضية (الاتحادي) ليست في رفض المشاركة مبدأً ولكن في نصيب الحزب وقيل إنه عُرض عليه 20% من الحقائب الوزارية في حين طالب بـ30% خاصة بعدما علم بعدم مشاركة حزب الأمة القومي.. يمكن أن نتخيل أنه عندما رفض الاتحادي العرض طالبه (الوطني) بفصل القياديين، فإن قبل (الاتحادي) العرض تغاضى (الوطني) عن طلبه بفصل القياديين. لاشك أن مشاركة (الاتحادي) قضية مهمة لحزب المؤتمر الوطني الذي يجابه في الوقت نفسه ضغوطا داخله خاصة من الهيئة البرلمانية بالحزب بعدم إعطاء الأحزاب أكثر مما تستحق استنادا إلى نتائجها في آخر انتخابات حيث نال فيها (الاتحادي) فقط مقعدين.. (الوطني) يريد دحض الاتهام الموجهة له بالانفراد بالحكم وتهميش الأحزاب الأخرى، فضلا عن الضغوط الخارجية التي يواجهها.. المشكلة أن ما يعرف بالحزبين (الكبيرين) (الاتحادي الديمقراطي) و(الأمة القومي) برئاسة الصادق المهدي يعانيان من مشاكل داخلهما تقعدهما عن مشاركة فاعلة تفيد (المؤتمر الوطني) كما يظن ويطمح.. الحزبان طائفيان يفتقدان للمؤسسية والديمقراطية داخل هياكلهما إن كانت هناك هياكل بالفعل، ففاقد الشيء لا يعطيه.. محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي لأكثر من (26) عاما ومرشد الطريقة الختمية الصوفية، هو سليل عائلة السيد علي الميرغني زعيم طائفة الطريقة الختمية القوية النفوذ بالسودان وهو مثال جيد للقيادي القابض بكل المفاصل وقد أعانه على ذلك بجانب شخصيته الدينية.. أسس الحركة محمد عثمان بن محمد أبو بكر بن عبدالله الميرغني المحجوب ويلقب بالختم إشارة إلى أنه خاتم الأولياء، ومنه اشتق اسم الطريقة الختمية كما تسمى الطريقة أيضا بالميرغنية. يعتبر الحزب الاتحادي الديمقراطي أقدم حزب سياسي سوداني، وهو اتحاد من حزبين سياسيين هما الوطني الاتحادي والشعب الديمقراطي. كان إسماعيل الأزهري أول رئيس وزراء لجمهورية السودان بعد الاستقلال رئيس الحزب عندما كان باسم الحزب الوطني الاتحادي قاد به معركة الاستقلال. يرأس الحزب حالياً السيد محمد عثمان الميرغني مرشد الطريقة الختمية الصوفية. في العام الماضي وقبل أن ينجلي غُبار المعركة الانتخابية غادر محمد عثمان الميرغني البلاد.. البعض قال إنه كان غاضبا، خاصة أنه أطلق تصريحا ينم عن غضب حينما قال إنه شخصيا لم يصوت في الانتخابات، هذه الواقعة المدوية أذهلت الكثيرين في حزبه، ويبدو أن غضبه ناتج عن صدمة وذهول لأن حزبه (العريق) لم ينل أكثر من دائرتين.. الميرغني قال أيضا متسائلا ومستنكرا أين الذين خرجوا لاستقبالي في مدينة كسلا؟! والمنطق يقول بكل بساطة إن لم يصوت قائد تلك الجماهير وهاديها فكيف يصوتون هم؟! إن لم يعقد مؤتمر واحد للحزب وتجدد هياكله وتدفع بالدماء في عروقه فلن يكون الحزب (الاتحادي) حزبا فاعلا.. تلك الجماهير التي خرجت في كسلا لم يقدم لها الحزب أي برنامج مقنع.. برنامج يلبي طموحات جماهيرك ذات التوجه الإسلامي استنادا إلى أدبيات طائفة الختمية، بل ترك الحبل على الغارب للعلمانيين واليساريين الذين غزو الحزب ليتصدوا للعمل السياسي.. جماهير الختمية لا يمكن تصوت للعلمانيين واليساريين الذين رشحهم الحزب في تلك الانتخابات حتى لو وضع فوق رؤوسهم الريش.. في الثقافة السودانية احترام الزعماء وتبجيلهم واجب وإن اختلفوا معهم سياسيا.. هناك اعتقاد بأن أهل كسلا أيضا استقبلوا الميرغني خير استقبال لكن لا أحد يجزم أنهم يتفقون مع خطه السياسي (العلماني اليساري).. الحقيقة المرة أن جماهير الأحزاب المختلفة لم تتبين أي خط سياسي أو برنامج محدد يمكن أن تصوت له، لم يكن هناك غير المواقف الضبابية المتلجلجة.