31 أكتوبر 2025
تسجيلربما هذا هو السؤال الأكثر انتشارًا في الخليج حاليًا، بعد وصول الأزمة لشهرها الرابع دون أي مؤشرات في الأفق تلوح أو تفيد بقرب نهاية لها. ما إن تجلس مجلسًا أو تدخل في حوار مع أحد، إلا والسؤال ذاته يكون حاضرًا ويطرح نفسه بقوة، سواء في بداية الحوار أم في نهايته. حاليًا الوضع السياسي الحاصل بين الرباعي المتأزم وبين قطر، لا يفيد أبدًا أن الأزمة ستنتهي قريبًا، والمشهد الإعلامي الذي ينفخ في نار الأزمة، لاسيَّما إعلام دول الحصار، يفيدك أن الرغبة في وضع حد للحاصل بالخليج غير موجودة، أو هكذا يبدو الأمر الظاهري الذي عليه نحكم، لكن ربما في الخفاء أو الباطن، يدور أمر آخر عكس ما هو ظاهر، ولا يمكن تجاهل هذه الفرضية، باعتبار أن الجميع بدأ يتأثر بصورة وأخرى من هذه الأزمة وبنسب متفاوتة، وغالب الظن أن الألم الذي أراده الرباعي المتأزم أن يكون محصورًا في قطر فقط، بدأ ينتشر هنا وهناك وتتسع رقعته. نعم نحن في قطر يؤلمنا استمرار الوضع، ماديًا ومعنويًا، ولا ينكر أحد سلبيات ونتائج هذا الفعل الأخرق الجبان من الرباعي المتأزم تجاه قطر، ولكن ما يدفعنا إلى الصبر والتصابر أيضًا قول الله تعالى {إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون}. نعم الألم موجود عندنا مثلما هو موجود عندهم. ولكن ما نرجوه من بعد زوال هذا الألم يختلف عما يرجونه هم. نحن في قطر نرجو أن تزول هذه الغمة عن المنطقة، ولا تتكرر تارة أخرى، ويندحر أهل الشر والظلم وتخيب غاياتهم وأهدافهم اللئيمة. متى ستنتهي أزمة الخليج؟جميعنا متلهفون لنهاية واضحة أكيدة لها. نهاية تضمن عدم تكرارها مرة أخرى. نهاية نقدر على ترتيب أوراقنا وأوضاعنا من جديد، بعد الفوضى العميقة غير المسبوقة التي أحدثتها الأزمة في كل المنطقة.. تلكم كانت أمنيات لنهاية معقولة ومطمئنة، لكن من المؤكد أن أحدكم يعيد طرح السؤال ويقول: متى ستنتهي الأزمة؟ ستنتهي هذه الأزمة في الحالات التالية فقط:الحالة الأولى: أن يحدث حادث بالسعودية يدفع بولي العهد الحالي المسيطر على خيوط اللعب بالمملكة كلها تقريبًا، يبعده عن المشهد بصورة أو أخرى، ليأتي من يوقف قطار المملكة السائر وفق بوصلة أبوظبي نحو وجهة غير واضحة المعالم، ويعيد ترتيب أولويات بيت الحكم. ذلك أن ولي العهد الحالي المتطلع والمتلهف لكرسي الملك، ما دخل مغامرة وخرج بنتيجة إيجابية، بدءًا بكارثة حرب اليمن ومرورًا بالرؤية الاقتصادية للبلد وانتهاء بأزمة حصار قطر، بل جاءت كلها بنتائج مغايرة على عكس ما كان يطمح إليه، والوصول إلى الحكم على شكل رجل إنجازات وبطولات، ليسد بذلك فجوة السن، باعتبار أن كل الملوك السابقين كانوا وصلوا إلى كرسي الحكم وهم كهول أو شيوخ.. هذه حالة أولى إن وقعت، فالأزمة تتوقف من فورها. الحالة الثانية: أن يحدث تذمر وتململ بين حكام الإمارات الست ضد انفراد ولي عهد أبوظبي وسيطرته التامة على سياسة الإمارات الداخلية والخارجية، وتكون هناك وقفة حازمة حاسمة منهم جميعًا ضده، على اعتبار أن الدولة اتحادية والمفترض أن كلهم يشتركون في وضع السياسات، لاسيَّما الخارجية. مثل تلك الوقفة إن حدثت، فمن شأنها أن تدفع بشيوخ أبوظبي للانكفاء على ذواتهم ونحو الداخل حينًا من الدهر، خشية أن تتطور الأمور. حينذاك يمكن القول بأن من كان يدفع السعودية لهذا الاندفاع غير المسيطر عليه، والضرب يمينًا وشمالًا، قد اختفى من المشهد، وبالتالي سيتوقف القطار السعودي تلقائيًا ويهدأ، ولكن بعد أن يكون قد حطم ودمر الكثير في طريقه أثناء الأزمة. لكن مع ذلك يمكنه تدارك الموقف وإن كان سيأخذ من الوقت الشيء الكثير، وفي تلك الحالة حين يختفي عنصران مهمان من مشهد الأزمة قسريًا، فإنه دون شك سيؤدي بالأزمة أن تقف هي كذلك قسرًا.الحالة الثالثة: أن تتطور الأمور سريعًا في الولايات المتحدة، وتقوى جبهة العاملين على مشروع عزل الرئيس الحالي ترامب، الحليف القوي للرباعي المتأزم، والأب الروحي لهم خلال هذه الأزمة. إن أي تطورات دراماتيكية في المشهد الأمريكي، كعزل الرئيس مثلًا أو دخول الولايات المتحدة في مشكلة دولية كبيرة كحرب مع كوريا الشمالية، من شأنها التأثير بصورة كبيرة على الأزمة الخليجية، التي يمكن أن تتحجم كثيرًا وتنتهي سريعًا في غفلة من الناس، الذين من المؤكد سيكون حدث عزل ترامب قد جذب أنظارهم واهتمامهم عن أي حدث آخر على هذا الكوكب حينها.الحالة الرابعة: قيام حلف أو محور عسكري اقتصادي يكون ذا شأن بالمنطقة، يعمل على إحداث نوع من الضبط والتوازن. والحلف المتوقع ظهوره قريبًا هو الذي بدأت مؤشرات عديدة تفيد بقرب الإعلان عنه، منها التقارب التركي الإيراني الإستراتيجي، والتقارب الثنائي بين تركيا وقطر، وإيران وقطر، وبالمثل مع الكويت وعمان، مما يشير إلى أن الحلف المتوقع سيضم تركيا وإيران، مع عمان والكويت وقطر، وسيكون أساسًا حلفا دفاعيا عسكريًا، إضافة إلى أنه سيكون بمثابة سوق اقتصادية مشتركة مصغرة بين هذه الدول الخمس، التي تبدو متفقة على مبادئ كثيرة تتعاكس مع مبادئ وتوجهات الرباعي المتأزم، مما يفيد أنها ستشترك في مسألة الحماية والدفاع المشترك ضد أي خطر خارجي. إن قيام مثل هذا الحلف سيؤدي بالأزمة وبالضرورة لأن يخفت بريقها وزخمها، ولا شك عندي أن القوى الكبرى ستبدأ تنظر بنظرة مطمئنة إلى مصالحها بالمنطقة، حيث لن تجد أفضل من هذا الحلف في حماية مصالحها وأمن المنطقة، وربما الحماسة التي ظهرت عند أبوظبي والرياض في استفتاء الأكراد، قد نفهم منها أنها نكاية بتركيا وإيران، والرغبة في إحداث نوع من القلق والإزعاج لهاتين القوتين بالمنطقة.. التحليل يطول في هذه الحالة، لكن من المؤكد أن ظهور مثل هذا الحلف سيكون له تأثيره على المنطقة بشكل عام.الحالة الخامسة والأخيرة: هي أن تلين الدوحة في موقفها وتظهر بعض المرونة مرة أخرى مع الرباعي المتأزم، ليس لضعف أو انكسار، بقدر ما هو رغبة في تفكيك قنبلة الأزمة قبل أن تنفجر وتؤدي إلى كارثة تحل بالجميع. كأن يتم بحث بعض القضايا المشتركة وبأريحية وتفاهم واسعين، والاتفاق على وضع أسس وقواعد في فهم ما يتعلق بمسائل التجنيس ودعم المعارضين والخطاب الإعلامي وما شابه، والتوقيع على ذلك ضمن إطار الوساطة الكويتية مع رعاية دولية، بحيث يخرج الجميع أمام العالم بصورة لا تفيد أن هناك فريقًا مهزوما أو منتصرا. قد تبدو الحالات السابقة ضربًا من الأحلام والخيال، وأتفق معكم في هذا التفكير للوهلة الأولى، لكن في عالم السياسة والمصالح لا يمكنك التقليل من شأن أي احتمال أو فرضية، إذ لا توجد قواعد صلبة ثابتة في عالم السياسة والسياسيين، بل مجموعة قواعد مرنة متحركة، تبحث الدول على ضوئها عن تحقيق مصالح ومنافع ولو بأقل الاحتمالات، أو العمل بأقل نسبة خسائر في سبيل أكبر نسبة من المنافع، وأحيانًا التضحية بالكثير من الزائل من أجل القليل المستدام والقابل للنمو مع الوقت.. فهكذا هي السياسة، ومن يتقن فنونها ويمتلك مهارات اللعب فيها، يكسب الجولة تلو الأخرى، حتى وإن خسر جولة، فمن المؤكد يكسب جولات أخرى قادمة.