20 سبتمبر 2025
تسجيلوجوه الحرمان كثيرة، منها الحرمان من أطايب الطعام والشراب، لا لشيء سوى ما كسبت أيدينا أو نتاج التغير الملحوظ والمستمر في عاداتنا الغذائية. إذ صار المرء منا اليوم يعيش ليأكل، لا يأكل ليعيش، والفرق بينهما كبير. لنرجع إلى الماضي بعض الشيء ونتساءل: من كان من الآباء والأمهات قبل عقدين أو ثلاثة من الزمن يشتكي من ارتفاع الكوليسترول الضار، أو ارتفاع نسبة الدهون الثلاثية، أو خلل بأنزيمات الكبد والكلى؟ ومن كان يشتكي من السكر والضغط والتهابات المفاصل وغيرها من أمراض عصرية صارت تتفشى بشكل مخيف في كثير من المجتمعات المتحضرة؟ لم يكن أبناء الأجيال القديمة يعرفون مثل هذه الأمراض، فإن أكثروا من الطعام لأي سبب، وقليل ما كانوا كذلك، فإنهم كانوا بالمثل يكثرون من كل ما يعمل ويساعد على حرق تلك الطاقة الناتجة عن الطعام، عكس ما هو حاصل اليوم. فأجسامنا تمتلئ بشكل مستمر بطاقة زائدة عن الحد المطلوب، ولا نقوم في الوقت ذاته بما يكفي لحرقها واستهلاكها، الأمر الذي ترتب عليه ظهور الكثير من الأمراض والأوجاع. عاداتنا وثقافتنا في مسألة الأكل والشرب، اختلفت بشكل دراماتيكي عما كان عليه السابقون. وربما يقول قائل إن الوفرة هذه لم تكن بالماضي، وإلا لكانوا مثلنا اليوم. هذه فرضية لا أستطيع رفضها؛ فربما كانوا فعلًا كما نحن اليوم في مشكلات صحية متنوعة ومتكاثرة، ولكن ليس هذا مرادي من حديث اليوم، ولا أرغب في الدخول إلى مقارنات، بقدر ما أرغب في الإشارة والتنبيه إلى أمر أهم.ليست المشكلة في وفرة وتنوع المأكل والمشرب، فهذه من نعم المولى عز وجل، تستحق منا كل شكر وحمد قولًا وعملا. لكن المشكلة الحقيقية هي التعامل غير السوي مع هذه الوفرة والتنوع في الطعام والشراب. "ما ملأ ابن آدم وعاء شرًا من بطنه. بحسب ابن آدم لقيمات يقُمن صلبه، فإن كان لابد فاعلًا فثلثٌ لطعامه وثلثٌ لشرابه وثلثٌ لنفسه". حديث موجز بليغ، درسناه في الابتدائية ولا نزال نسمعه ونقرأه هنا وهناك. إنه أصل من أصول الطب والمحافظة على الصحة، ولو أخذناه دليلا إرشاديا، ما عرفنا كل هذه الأوجاع والأمراض، وهذا هو لب كلام اليوم. فهل نقتدي به -صلى الله عليه وسلم- أم ننغمس أكثر في هذه الوفرة من الدهنيات والنشويات وأخواتهما من الحلويات؟