18 سبتمبر 2025
تسجيلتأمل أيها القارئ الكريم وتوقف عند هذه الكلمات، لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو يمشي بكل تواضع الى جنب راحلة القائد عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو يوصيه قبل تحركه على رأس جيشِ متوجه إلى الشام، وهي ليست مجرد كلمات تقرأ، قائلاً له "يا عمرو، اتَّق الله في سرائرك وعلانيتك واستحِيه، فإنه يراك ويرى عملك، وقد رأيتَ تقديمي إِياك على من هم أقدم سابقة منك، ومن كان أعظمَ غِنًى عن الإِسلام وأهله منك. فكن من عمَّال الآخرة، وأرد بما تعمل وجه الله، وكن والداً لمن معك، ولا تكشفنَّ الناس عن أستارهم، واكتف بعلانيتهم، وكن مجدّاً في أمرك، واصدق اللقاء إِذا لقيت ولا تجبُن، وتَقدَّم في الغُلول وعاقب عليه، وإذا وعظت أصحابك فأوجز، وأصلح نفسك تصلح لك رعيتكم". ولما حضرت أبا بكر الصديق رضي الله عنه الوفاة أوصى باستخلاف عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فبعث إليه رضي الله عنه فدعاه، فكان مما أوصاه به "إن أول ما أحذرك نفسك، وأحذرك الناس...".إذا أصلح المسؤول — أي مسؤول — نفسه وتفقد أخطاءه وجعل من حركته في منصبه نموذجا يُحتذى به، فإن ذلك أدعى وانفع لصلاح من هم تحت إدارته، وأن تكون لدى المسؤول كذلك يقظة وانتباه لكل ما يجري حوله بإدارته وفي حدود صلاحيته المكلف بها، ليشعر العاملون معه بأن هناك اهتماماً من قبله بأمورهم وأعمالهم والإنجازات التي يقومون بها، فيزيد المجد والمحسن إحساناً وتقديراً، ويتوقف المسيء أو المقصر عن الإساءة والتقصير، ويكون بعد ذلك للعطاء والبذل أقرب.وكذلك يؤخذ منها أن المسؤول الأعلى عن المؤسسة له الحق أن يوجه ويرشد وينصح، وله أن يُقيل ويعزل كل من أساء في عمله ولم يقم به على الوجه المطلوب، وخاصة في المناصب العليا، وهذا الأسلوب يدفع إلى مضاعفة الجهد في بذل الطاقة ليصل بمؤسسته إلى أعلى مستوى من النجاحات والإنجازات، وهذا الذي يريده الجميع، أما إذا ضمن البقاء على كرسيه ومنصبه بدون متابعة ولا نصح ولا توجيه ولا محاسبة، فإنه يميل إلى الكسل والاشتغال بمصالحه وتعظيم رصيده ومكاسبه فيخل بمسؤولياته وإدارته المكلف بها، ويكون من تحت إدارته أدعى لهم إلى الفوضى والكسل والإهمال والفساد الإداري والمالي والنزاع بينهم، والسبب المسؤول أو من هو أعلى منه أنه ترك "أصلح نفسك تصلح لك رعيتكم". ومضة من مواقف الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه، محاسبته لمعاذ بن جبل رضي الله عنه، عندما قدم من اليمن بعد وَفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال له الصديق رضي الله عنه "ارفع حسابك"، فقال معاذ "حسابان: حساب من الله، وحساب منك". فتأمل يا صاحب المنصب...!!