13 سبتمبر 2025

تسجيل

لماذا تزعج إستطلاعات الرأي العام الأنظمة العربية؟

05 أكتوبر 2013

ما هي أهمية وقيمة استطلاعات الرأي العام في العالم العربي؟ وما هي مكانتها في أجندة وبرنامج عمل صانع القرار؟ هل من علاقة بين الرأي العام والأنظمة العربية؟ وهل هذه الأخيرة يهمها الرأي العام ورأي الشارع واتجاهاته؟ ما هي علاقة صناعة القرار بالرأي العام؟ ولماذا نجد ندرة في استطلاعات الرأي العام في العالم العربي؟ وما هو واقع مراكز استطلاعات الرأي العام في العالم العربي، إن وُجدت أصلا؟ هناك من يرى أن الرأي العام في العالم العربي غير موجود ومهمش ومغيب ولا يؤخذ به ولا دور له ولا فاعلية. هل يحق لنا الكلام عن الديمقراطية من دون الكلام عن الرأي العام؟ وهل من ديمقراطية من دون رأي عام؟ فالنظام السياسي الذي يستمد سلطته وشرعيته وقوته من الشعب يجب أن يعود إلى هذا الشعب في اتخاذ القرارات وصناعة السياسات المختلفة التي توضع أساسا من أجل هذا الشعب ولهذا الشعب. لماذا يا ترى قلة مراكز استطلاعات الرأي العام في بعض الدول العربية وانعدامها تماما في دول أخرى؟ لماذا ضعف أداء المراكز الموجودة ولماذا عدم الاهتمام بالرأي العام في العالم العربي؟ الإشكالية الرئيسية في التعامل مع الرأي العام واستطلاعات الرأي العام في العالم العربي تكمن أساسا في أن بعض صناع القرار في العالم العربي ما زال لا يؤمن بسلطة الرأي العام وأهميته، وما زال لا يؤمن بأهمية رأي الشعب ووجهة نظره وموقفه من قضايا الأمة والمجتمع ومسائل مصيرية تهمه. فهؤلاء لا تهمهم مراكز استطلاع الرأي العام ولا تهمهم نتائج هذه الاستطلاعات، فهم يعرفون كل شيء عن الشعب، وهم يفكرون للشعب وفي مكان الشعب وباسم الشعب، وهم يعرفون مصالح الشعب أحسن من الشعب نفسه. وهم الذين يعرفون كل شيء ولا يحتاجون إلى دراسات وأبحاث واستطلاعات الرأي العام لمعرفة ماذا يجري في الشارع وماذا يحدث في الواقع. والبعض منهم يرى أن الشعب غير مؤهل لإبداء رأيه في أمور لا يفقه فيها شيئا وأمور ليست من اختصاصه. الجمهور حسب هؤلاء هو مجرد رقم في معادلة السياسة وصناعة القرار، فهذه الأمور ليست من اختصاصه ولا دخل له فيها. يمكن تفسير هذا الوضع غير الصحي لاستطلاعات الرأي العام ودراسته وللعلاقة غير السليمة بين السلطة والرأي العام في العالم العربي إلى عدة اعتبارات من أهمها: أن السلطة في العالم العربي تخاف من الرأي العام، ونظرا لاتخاذ معظم القرارات بعيدا عن الشفافية والديمقراطية فإن الأنظمة العربية لا تريد معرفة رأي الشعب وموقف الشعب وكيف يفكر الشعب في معظم هذه القضايا. من جهة أخرى تخاف السلطة من الرأي العام، أي من الشعب، ولذلك فإنها لا تريد أفكارا ورؤى وإحصاءات وحقائق في وسائل الإعلام قد تخالفها وتعارضها ولا تتفق مع أطروحاتها وسياساتها ووجهات نظرها. يُنظر إلى نتائج استطلاعات الرأي العام على أنها غير موضوعية ومسيسة وتُوجهها الجهة التي تمول الدراسة وفق مصالحها وأهوائها، فهي إذن حسب السلطة غير علمية وغير موضوعية وغير حيادية. في بعض الحالات نلاحظ تدخل جهات وأطراف خارجية لتمويل الدراسات والاستطلاعات للحصول على نتائج تفصلها حسب أهدافها ونواياها وما تريد تحقيقه والوصول إليه، وتمويل هذه الأطراف لمراكز استطلاعات الرأي العام يُفقد هذه المراكز مصداقيتها وموضوعيتها. من جهة أخرى نلاحظ أن غياب ثقافة البحث العلمي وثقافة المعلومة والإحصاءات والدراسات والبحوث والإحصاءات، وسيادة ثقافة الشك والخوف من الاستبيانات والاستطلاعات تؤثر سلبا على الاعتماد على استطلاعات الرأي العام والقيام بها والاعتماد على نتائجها في صناعة القرار ووضع السياسات المختلفة في البلاد. وهنا نلاحظ ارتباط ثقافة استطلاعات الرأي العام بالديمقراطية وبحرية التعبير وحرية الصحافة والمشاركة السياسية وثقافة القوى المضادة وثقافة المجتمع المدني والفصل بين السلطات ومراقبتها، خاصة السلطة التنفيذية، إضافة إلى حرية الفرد بصفة عامة. بيئة الحرية والديمقراطية هي البيئة الطبيعية لثقافة الرأي العام والعمل به، حيث إنها تعتبر من مستلزمات الرأي العام ومن شروط قوته ونفوذه في المجتمع. هذه البيئة، مع الأسف الشديد، غائبة ومغيّبة في معظم الأنظمة العربية، ولذلك نلاحظ غياب قوة من المفروض أن تكون إستراتيجية وفاعلة في المجتمع، وهي الرأي العام، في معظم القضايا المصيرية للمجتمع. تغييب الرأي العام في العالم العربي هو تحصيل حاصل وهو نتيجة منطقية وحتمية لتغييب الفرد العربي ولتغييب الحريات الفردية ولتغييب الآخر. فمراكز استطلاعات الرأي العام لو التزمت المهنية والحرفية والعلمية والموضوعية والشفافية وابتعدت عن التسييس والحسابات الضيّقة تكون إضافة كبيرة للأنظمة العربية لإدارة شؤونها وشعوبها ولحل مشكلاتها وللتواصل مع شعوبها. استطلاعات الرأي العام هي بارومتر الديمقراطية في المجتمع وهي قياس حالة الشعب وتفكيره ورؤاه ووجهات نظره، وتقييمه لأحوال المجتمع والأمة وللقرارات والسياسات التي تُتخذ من أجله. كما تعتبر استطلاعات الرأي العام حوارا صريحا ومباشرا بين السلطة والشعب، وهذا الحوار هو سلوك حضاري يصب في مصلحة الطرفين وفي مصلحة المجتمع ككل. تعتبر نتائج استطلاعات الرأي العام قاعدة معلوماتية مهمة جدا للسلطة حتى تستعملها كبوصلة في اتخاذ قراراتها ووضع سياساتها في مختلف مجالات الحياة، كالسياسة والاقتصاد والثقافة والرياضة والتعليم...إلخ. استطلاعات الرأي العام هي نوع من التفاعل بين السلطة والقوى الفاعلة في المجتمع وهي عبارة عن حلقة وصل بين الشعب والمجتمع. من جهة أخرى تمثل استطلاعات الرأي العام تقييما مباشرا لرضا أو عدم رضا الجمهور عن أداء السلطة لمهامها وإدارتها لشؤون العباد والبلاد. يعتبر الرأي العام ركنا من أركان الديمقراطية، وتهميشه وتغييبه في المجتمع يعتبر تهميشا وتغييبا للديمقراطية، فكيف تدعي السلطة أنها ديمقراطية وتؤمن بمبدأ أن الشعب يحكم نفسه بنفسه وفي ذات الوقت لا تبالي حتى بالتعرف على رأي الشعب في قضايا الأمة. التناقض الصارخ الذي تعيشه الأنظمة العربية يكمن في أنها تدعي وتتغنى بالديمقراطية وفي الوقت نفسه تقوم بإقصاء وتهميش وتغييب مؤسسة إستراتيجية في المجتمع، وهي مؤسسة الرأي العام والتي تمثل في واقع الأمر الدعامة والسند الرئيسيين لأي سلطة تستمد شرعيتها من الشعب وتؤمن بسلطة الشعب وقدرته على إدارة أموره بنفسه.