19 سبتمبر 2025
تسجيلمآلات الربيع العربي أو الخريف العربي في مصر وليبيا وسوريا وإلى حد ما في تونس لا يمكن أن تؤسس لنموذج يحتذى في السودان.. تلك المآلات المحبطة كانت من أهم أسباب فشل ربيع السودان فإن لم تحرك ما أسمته الخرطوم بالإجراءات الاقتصادية نهاية الشهر الماضي ذلك الربيع المرتجى فإن شيئا آخر لا يمكن أن يحركه.. كانت قرارات مجحفة في حق الفقراء في السودان الذين هم يمثلون الغلبة الغالبة بعد ذوبان الطبقة الوسطى ليصبح المجتمع السوداني منقسم إلى طبقتين لا غير؛ أغنياء إلى حد التخمة وفقراء إلى حد العدم المدقع.. نعلم أن الأمل في عودة الشرعية في مصر متقد خاصة مع استمرار حالة الممانعة لانقلاب العسكر على الرئيس المنتخب محمد مرسي، خاصة مع شعور الخوف المتزايد لدى قائد الانقلاب الفريق عبد الفتاح السيسي ومحاولاته الحثيثة للوصول بأسرع فرصة لكرسي الرئاسة أو على الأقل تحصين نفسه (دستوريا) في منصبه وزيرا للدفاع وتسمح له بالعودة لاستئناف دوره حتى لو لم يصل إلى الرئاسة، لكن ريثما تفشل حالة إجهاض الربيع المصري يبقى الربيع السوداني مؤجلا لأجل غير مسمى.لعل من الضروري أن يفهم قادة الحكم في السودان أنه لكي يتم تحصين نفسه وكذلك البلاد من الفوضى السياسية، أن يسعى النظام إلى إحداث تغييرات جوهرية تستوعب حالة الاحتقان السياسي وإن لم يبدأ النظام تغييرا جديا بنفسه فإنه لا محالة سيفرض التغيير عليه.. آخر محاولات التغيير الناعمة وجدت رفضا عنيفا من السلطات السودانية، وأثارت المذكرة التي دفعت بها قيادات بالمؤتمر الوطني الحاكم برئاسة الرئيس عمر البشير، أسمت نفسها تيار الإصلاح، للرئيس البشير ردود أفعال واسعة في الساحة السياسية وداخل أجهزة ومؤسسات الحزب الحاكم، وأحدثت حراكاً سلبياً كبيراً لاحتواء آثارها مما دفع رئيس الحزب لإصدار قرار بتشكيل لجنة للتحقيق مع الموقعين عليها توطئة لمحاسبتهم.. المذكرات في أدبيات السياسة السودانية، نوع من أنواع الاحتجاج العنيف على الراهن السياسي.. تزعم موقعي المذكرة الدكتور غازي صلاح الدين العتباني القيادي بالحزب الحاكم والمستشار السابق للرئيس البشير، وكان د. غازي أحد الذين قدموا مذكرة العشرة، وهي المذكرة التي أطاحت بالدكتور حسن الترابي، وأدت إلى انشقاق المؤتمر الوطني إلى جناحين؛ (الوطني) بزعامة البشير و(الشعبي) بزعامة الترابي.كثيرون يعتقدون أن المذكرة التي تزامنت مع الاحتجاجات المحدودة على رفع الدعم عن الوقود، هدية وفرصة للنظام لكي يعدل مساره ويتجنب تغييرا عنيفا ربما يدخل البلاد في حالة فوضى و(صوملة) لا تبقي ولا تذر.. لكن رد الفعل السلبي العنيف تجاه المذكرة وموقعيها وهم من (داخل البيت)، لا يشي بأن هناك تغييرا سليما وناعما يمكن أن يحدث لصالح استقرار البلاد وخروجها من النفق المظلم. المذكرة طرحت نقاطا مهمة وأفكارا جيدة لحل الإشكالات السياسية الماثلة، لكن حزب المؤتمر الوطني ترك محتوى المذكرة وأخذ يركز في نقده لها على جوانب إجرائية هروبا من مناقشة جدية لمحتواها الذي لا يمكن أن يعيبه شخص سوي.. بيد أنه حتى الجوانب الإجرائية فندها قائد المذكرة في رد مكتوب عنونه إلى لجنة المحاسبة المشكلة برئاسة رئيس البرلمان والقيادي النافذ في حزب المؤتمر الوطني.. يؤكد الدكتور غازي على أنه يقر بنهج المحاسبة بل وينادي به لتقويم مسيرة الحزب وأداء أعضائه، لكنه قال إن ذلك يحتاج لشروط معيارية واجبة الوفاء يرى أن خطاب استدعائه قد جانبها.. ويرى غازي أن السند القانوني لإخطاره يرجع لقرار صادر من المكتب القيادي للحزب، والعرف القانوني والإداري يقتضي إرفاق السند للاطلاع والتثبت وهذا ما لم يحدث، مع العلم بأن المكتب القيادي ومنذ صدور هذه المذكرة لم يجتمع إلا اجتماعاً واحداً ولم يصدر أي قرار متعلق بالمذكرة ولا بمن وقّع عليها، والمعلوم أن غازي عضو بالمكتب القيادي ويحضر اجتماعاته.. ومضى غازي في تفنيده لقرار المحاسبة يقول أن طلب مثول الموقعين على المذكرة أستند إلى نظام ولائحة حزب المؤتمر الوطني التي لا تمنع أو تجرم مخاطبة عضوية الحزب للسيد رئيس الجمهورية بصفته رئيساً للدولة وهو حق مكفول لكل مواطن داخل أو خارج الحزب الحاكم، كما أن الخطاب لم يحدد صراحة ما تمت مخالفته من مواد النظام أو اللائحة فيما يخصه لك، ونوّه أن قدموه رسالة مفتوحة لرئيس الجمهورية وليست مذكرة كما سماها الحزب.. وعلق غازي على رئيس اللجنة مؤكدا أنه لا يصبح رئيساً إلا بعد الموافقة عليه ممن هم قيد المحاسبة وكذلك الحال بالنسبة للأعضاء، باعتبار أن حق الاعتراض هذا كفلته كل قوانين المحاسبة، وأضاف بقوله: (إن الثابت والموثوق منه لدينا أن سيرة السيد رئيس اللجنة في العمل العام تؤكد عدم حياديته ونهجه المعهود في إمضاء القرارات المتخذة سلفاً، ولذلك فاختياره رئيساً للجنة يقدح في قدرتها على إقامة ميزان العدل ابتداء).. وخلص غازي إلى الشك في قدرة اللجنة على إصدار أحكام عادلة ومحايدة، وافتقارها لأبسط شروط الصحة الفنية، وعليه رأى عدم جدوى المثول أمام هذه اللجنة.