04 نوفمبر 2025

تسجيل

خروج "الإتحادي".. عاصفة سودانية جديدة

05 أكتوبر 2013

بعد أزمة رفع الدعم عن المحروقات العاصفة التي وضعت الحكومة السودانية على شفا جرف هار، قرر الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) الذي يترأسه محمد عثمان الميرغني فض شراكته مع حزب المؤتمر الوطني الذي يترأسه الرئيس عمر البشير. ويعتبر الحزب الاتحادي أقدم حزب سياسي سوداني، وهو اتحاد من حزبين سياسيين، هما الوطني الاتحادي والشعب الديمقراطي. رغم أن مركز الخدمات الصحفية شبه الرسمي قد نقل تصريحا منسوبا لقيادي في الحزب الاتحادي نفى فيه انسحاب الحزب من الحكومة، إلا أن تململ الحزب الذي يعتبر من أكبر أحزاب المعارضة ثقلا، كان واضحا وبيّنا منذ اليوم الأول لمشاركته؛ إذ ظلت قطاعات واسعة داخل الحزب تمانع وترفض المشاركة، حيث تعتبر أن الحزب يخسر كثيرا بمشاركة حزب المؤتمر الوطني في (أخطائه)، فضلا عن أن حزب المؤتمر الوطني لا يسمح لأي حزب معارض بمشاركة فعلية في حكومته، بل تظل مشاركة الأحزاب الأخرى مشاركة (ديكورية).. ومن المهم الإشارة إلى أن مشاركة الحزب الاتحادي كانت برغبة شخصية وقرار ربما (فوقي) من رئيس الحزب محمد عثمان الميرغني، وقرار الانسحاب الأخير اتخذته لجنة عليا شكلها رئيس الحزب كلفها بمتابعة الوضع الاقتصادي وتقييم المشاركة من قبل رئيس الحزب، في الوقت الذي يتواجد فيه رئيس الحزب خارج البلاد وقد أعلن حضوره قبل حلول عيد الأضحى المبارك. لذلك يعوّل حزب المؤتمر الوطني على قرار (فوقي) من رئيس الحزب محمد عثمان الميرغني بإلغاء قرار الانسحاب. لكن المرجح أن رئيس الحزب ليس بعيداً عن قرار الانسحاب، إذ إنه وهو رجل سياسي محنك ويجيد المناورات السياسية ربما يحاول أن يمارس ضغوطا على حزب المؤتمر الوطني الذي يحرص أكثر من أي وقت مضى على مشاركة الحزب الاتحادي في ظل تحديات جسيمة يواجهها، حيث يسعى الميرغني للحصول على أكبر قدر من (كيكة) الحكم تعضيدا لمشاركته وإبعاد شبح (الديكورية) عنها فضلا عن إرضاء الممانعين داخل حزبه، لذا ترك باب المشاركة مواربا باعتبار أن القرار النهائي ليس في يد مؤسسات الحزب وإنما في يد رئيس الحزب وزعيم طائفة الختمية التي يستمد منها الحزب تأثيره الديني. وكثيرون يرون أن توقيت قرار فض الشراكة لم يكن بسبب تنفيذ رفع الدعم عن المحروقات البترولية، وإن كان سانحة مواتية لممارسة الضغوط على حزب الرئيس البشير، لأن ذلك كله لم يكن كافيا لقطع حبال المصالح السياسية بين الطرفين. البعض يذهب بعيدا ويحاول الربط بين موقف الحزب الاتحادي من المشاركة في حكومة البشير وبين التطورات في جمهورية مصر؛ إذ إن الحزب معروف بعلاقة وثيقة بمصر وهو الحزب الذي تأسس قبل استقلال السودان وقام خطابه السياسي على الدعوة إلى الوحدة بين مصر والسودان وظلت العلاقة الخاصة بين الحزب ومصر على قوتها على مدى الحقب الماضية.. فهل لعبت مصر حقا دورا في قرار الحزب الذي كان المؤتمر الوطني يراهن عليه لشق صف المعارضة السياسية؟. البعض يشير إلى أن الحزب يسعى للمحافظة على الحد الأدنى من المصالح الإستراتيجية في المنطقة. خاصة في ظل خروج التحول الإقليمي ضد الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية الأخرى. في أول زيارة لوزير الخارجية المصري في حكومة ما بعد الرئيس محمد مرسي، زار الخرطوم في نهاية أغسطس الماضي، ورغم شح المعلومات عن تلك الزيارة ومخرجاتها لكنها على ما يبدو لم تبن جسورا كافية من الثقة بين البلدين، وبالتالي ما زال في نفس مصر شيء تجاه النظام في الخرطوم ومن الطبيعي أن يمارس عليه النظام المصري الجديد ضغوطا عبر بعض الكروت التي يمتلكها ومنها الحزب الاتحادي الديمقراطي. المشكلة أن ما يعرف بالحزبين الكبيرين في السودان (الاتحادي الديمقراطي) و(الأمة القومي) برئاسة الصادق المهدي يعانيان من مشاكل داخلهما تقعدهما عن مشاركة فاعلة تفيد (المؤتمر الوطني) كما يظن ويطمح.. الحزبان طائفيان يفتقدان للمؤسسية والديمقراطية داخل هياكلهما، ففاقد الشيء لا يعطيه.. محمد عثمان بن علي الميرغني، خلف والده على رئاسة الحزب والطائفة قبل (45) عاما، وفاة والده علي الميرغني سنة 1968، وهو مثال جيد للقيادي القابض بكل المفاصل وقد أعانه على ذلك شخصيته الدينية. وكذلك الحال في حزب الأمة، إذ تجاوزت رئاسة الصادق المهدي للحزب وطائفة الأنصار أكثر من أربعين عاما. عقب آخر انتخابات في 2010 وقبل أن ينجلي غُبار المعركة الانتخابية غادر محمد عثمان الميرغني البلاد غاضبا، وأطلق تصريحا ينم عن غضب حينما قال إنه شخصيا لم يصوت في الانتخابات؟! هذه الواقعة المدوية أذهلت الكثيرين في حزبه، ويبدو أن غضبه ناتج عن صدمة وذهول، لأن حزبه (العريق) لم ينل أكثر من دائرتين.. الميرغني قال أيضا متسائلا ومستنكرا: أين الذين خرجوا لاستقبالي في مدينة كسلا (شرق البلاد)؟! والمنطق يقول بكل بساطة إن لم يصوت قائد تلك الجماهير فكيف يصوتون هم؟! إن لم يعقد الحزب مؤتمرا واحدا ويجدد هياكله ويدفع بالدماء في عروقه فلن يكون حزبا فاعلا.. الجماهير التي خرجت في كسلا لم يقدم لها الحزب أي برنامج مقنع.. برنامج يلبي طموحات جماهيرك ذات التوجه الإسلامي استنادا إلى أدبيات طائفة الختمية، بل ترك الحبل على الغارب للعلمانيين واليساريين الذين غزوا الحزب ليتصدوا للعمل السياسي.. جماهير الختمية المتدينة لا يمكن أن تصوت للعلمانيين واليساريين الذين رشحهم الحزب في تلك الانتخابات حتى لو وضع فوق رؤوسهم الريش.. الحقيقة المرة أن جماهير الأحزاب المختلفة لم تتبين أي خط سياسي أو برنامج محدد يمكن أن تصوت له، لم يكن هناك غير المواقف الضبابية المتلجلجة.