02 نوفمبر 2025

تسجيل

الأكراد في "رزمة أردوغان"

05 أكتوبر 2013

الانطباع الأول الذي خرج به المراقبون بعد إعلان رئيس الحكومة التركية رزمة جديدة من الإصلاحات على طريق تعزيز الديمقراطية أنها "إيجابية" لكنها "غير كافية". هذه هي الرزمة الثالثة من الإصلاحات التي يتقدم بها حزب العدالة والتنمية خلال 11 سنة من الحكم. وهي لاشك تحتاج في قسم منها إلى موافقة البرلمان وفي قسم آخر إلى قرارات حكومية ولبعض منها إلى قرارات إدارية. لا يمكن قياس حجم التقدم في هذه الرزمة إلا بناء على ما أعطاه أردوغان وفي الوقت نفسه ما لم يعطه للفئات المختلفة ذات المطالب وحينها يمكن قياس حجم التقدم وأهميته من عدم أهميته. ولا شك أن الأنظار كانت كلها مركزة على ما يمكن أن تتضمنه الرزمة من تلبية للمطالب الكردية. فتح أردوغان الباب أمام التعلم باللغة الأم، ومنها الكردية، في المدارس الخاصة وفقا لترتيبات معينة في حال وجود ما يستوجب ذلك. ومطلب التعلم باللغة الأم كان مطلبا كرديا أساسيا جدا. لكن ليس في المدارس الخاصة بل في المدارس الرسمية إضافة إلى الخاصة. إذ إن اقتصار التعلم في المدارس الخاصة لا يعني شيئا للأكراد، حيث إن 99 في المئة من المدارس هي مدارس رسمية ليس فقط في المناطق الكردية، بل في كل تركيا. وقال أردوغان إنه سيتم منع العقوبات عن استخدام أحرف xwq الموجودة في الأبجدية اللاتينية للغة الكردية. وهذا أيضاً لا يقدم أو يؤخر، لأن الاستخدام كان منذ سنوات أمرا واقعا ولا يمكن أن يمنع وإن كان يطال بعقوباته بعض الناس من وقت لآخر. وفتح أردوغان الطريق أمام إعادة أسماء القرى الكردية التي كانت قد استبدلت بأسماء تركية خلال العقود الماضية وهو أمر إيجابي. غير أن بيان حزب العمال الكردستاني كما تصريحات نائبه رئيس حزب السلام والديمقراطية الكردي غولتان كيشاناق كانت تعكس خيبة أمل كبيرة جدا. وقد اعتبر الحزب أن الرزمة أغلقت الباب أمام استمرار عملية الحل للمشكلة الكردية وأن أردوغان يناور ويماطل، فيما قالت كيشاناك إن الرزمة عبارة عن رزمة انتخابات وليس رزمة إصلاحات وأنها تخدم فقط كيفية بقاء حزب العدالة والتنمية في السلطة. ذلك أن المطالب الأساسية للأكراد لم ترد أبداً في الرزمة وهي التعلم باللغة الأم في المدارس والجامعات الرسمية قبل غيرها، تخفيض حاجز العشرة في المئة لدخول أي حزب الانتخابات، منح المناطق الكردية حكما ذاتيا، إطلاق سراح الكثير من المعتقلين الأكراد الذين يعدون بالآلاف، وتحسين شروط اعتقال زعيم الحزب عبد الله أوجالان. والأخطر أن الحزب دعا إلى تصعيد الكفاح ضد الدولة التركية. ولا يعرف بعد ما إذا كان التهديد بالتصعيد واستمرار المواجهة سيكون من طريق استئناف العمليات العسكرية ضد الجيش التركي أو بطريقة سلمية عبر عصيان مدني أو بطريقة أخرى. لكن من الواضح أن المطالب المتعلقة بالأكراد لم تجد طريقا لها إلى الرزمة وتبقي التوتر بين الدولة والكتلة الكردية بمختلف أجنحتها قائما ومفتوحا على التصعيد في كل لحظة. وما يزيد من مخاوف انفجار الوضع العسكري بين الطرفين أن التطورات الإقليمية تتحرك، ولاسيَّما عسكريا، في سوريا في اتجاهات تفتح على إعادة رسم جغرافية وسياسية للتوازنات، والأكراد ولاسيَّما في شمال سوريا يقعون في قلب هذه التحركات مع رفض تركي كامل لأي كيانية كردية في شمال سوريا تجعل من الأكراد جارا جديدا لتركيا على حدودها الجنوبية، بعدما باتت أيضا المنظمات الأصولية التابعة للقاعدة جارا جديدا لها في العديد من المناطق الحدودية. لقد كان أردوغان أمينا لهواجس قاعدته الحزبية ذات التوجه القومي والمحافظ. فامتنع عن تقديم أي تنازل، هو في النهاية من حقوق الأكراد، على صعيد الهوية حتى لا يخسر قاعدته القومية. والحسابات الانتخابية هنا واضحة. اذ إن الانتخابات البلدية على الأبواب في الشتاء المقبل وتليها انتخابات رئاسية في الصيف المقبل سيكون أردوغان مرشحا محتملا فيها. ومن بعدها في العام 2015 انتخابات نيابية. وبين فقدان جانب من القاعدة القومية والمحافظة التركية وبين تنازل مهم للأكراد الذين لن يصوتوا له في النهاية مهما فعل لهم، فإن أردوغان اختار أقصر الطرق للبقاء في السلطة، لكنها أقصر الطرق أيضا لعدم تحقيق الاستقرار المفتوح وسط حريق المنطقة والاحتقان الداخلي لمرحلة قد تكون الأكثر خطورة في العلاقة بين الدولة المركزية في التركية وبين الكتلة الكردية التي بلغت حافة يأس غير مسبوق.