31 أكتوبر 2025

تسجيل

الجدل الأفلاطوني حول الدول والمقاومة

05 أكتوبر 2012

لم يكن الأسبوع الماضي سهلا قضاؤه على حزب الله في لبنان ولربما لم يحمل فألا حسنا للحزب قياسا على ما مر من أيام منذ تشكيل الحكومة الحالية برئاسة نجيب ميقاتي وبدء الأزمة السورية.. فالحزب كان محط نظر شديد سياسيا وإعلاميا خلال الأسبوع الفائت بشكل لم يسبق له منذ عدة شهور. انفجار مستودع للأسلحة في منطقة النبي شيت في الجنوب يوم الأربعاء الماضي أودى بحياة عدد من محازبيه، الحزب أعلن الخبر في بيان بعد وقت قصير من الحادثة، خلافا لما سبق في الحوادث المتشابهة. وكان الحزب قبل يوم واحد يشيع قيادي في جناحه العسكري، قال تليفزيون المنار التابع للحزب، إنه قضي خلال مهمة جهادية، دون أن يوضح أين ومتى. واللافت هنا أن الحزب، فيما أعلم، لأول مرة يصرح عن سقوط شهداء له في مهمات جهادية ليست مع الاحتلال الإسرائيلي. يوم الحادثة هذه، قدر لي أن استمع في ندوة سياسية إلى محاضرة للوزير محمد فنيش أحد قيادات حزب الله.. الندوة التي عقدت بمركز مؤسسة الحكيم العراقية في العاصمة بيروت دارت حول رؤية حزب الله للأوضاع في لبنان والتحديات الداخلية التي تواجه الحزب في التعاطي مع القضايا المستجدة.. يُعرف عن الوزير فنيش أنه رجل دمث ومهذب، ومن أقل وجوه حزب الله استفزازا لخصومهم السياسيين، وقد شرح بشكل مستفيض حرص الحزب على السلم الأهلي وضمان الأمن والاستقرار في لبنان وكيف أن الحزب نجح في حماية لبنان من تسلل الأحداث الأمنية في سوريا إليه على عكس ما هو معروف عن لبنان بأنه مسرح للصراعات السياسية وساحة لتصفية الحسابات بين الدول العربية وفقا لما عايشه لبنان منذ ثورة ١٩٥٨ مرورا بأحداث السبعينات وصولا إلى اتفاق الطائف. ما لفتني خلال محاضرة فنيش ليس الحديث عن قانون الانتخاب قبل سنة من الاستحقاق النيابي، ولا الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها المجتمع اللبناني ولا موقف الحزب من الأحداث السورية حيث قال الوزير إن الحزب ما يهمه هو أن تبقى سوريا دولة مقاومة وأنه دعا المعارضة والنظام للجلوس على طاولة الحوار وحماية سوريا من الدمار، ولكن لفتني إجابته على سؤال طُرح عليه من قبل أحد الحاضرين إذ قال السائل: تعرفون أن الشعب اللبناني منقسم بين قوى ١٤ آذار و٨ آذار ، وبطبيعة الحال هناك انقسام حول المقاومة وسلاح الحزب.. هل أنتم مستعدون للذهاب إلى استفتاء شعبي حول المقاومة؟ قبل أن يجيب الوزير، على لغط بين الحضور وبعضهم انبرى للإجابة باستنكار: هل هناك مقاومة في العالم ترضى بالاستفتاء عليها؟ ألم يسبق أن حكمت المقاومات بلادها في أوروبا وإفريقيا وآسيا بعد تحريرها من المحتل؟ وهل يعقل أن يتم الاستفتاء على شرعية المقاومة.. متى أصبحت المقاومة وجهة نظر حتى يستفتى عليها؟ طبعا مداخلات الحضور بين السائل والوزير لم تكن مفاجئة من حيث الطرح إذ أن البيئة الحاضنة لحزب الله تعج بهذه الإجابات حين يتعلق الأمر بالمقاومة وسلاحها. المفاجأة أن الوزير التفت إلى السائل وقال بهدوء: نعم لا مشكلة لدينا، نحن مع أي استفتاء شعبي حول المقاومة إذا كان سيحسم الجدل الدائر حول المقاومة، فنحن على يقين أن خيارات الشعب اللبناني تنحاز للمقاومة لكن هل يرضى الطرف الآخر، أي الخصوم السياسيون، الاستفتاء لسحب موضوع المقاومة من السجال؟ انتهى كلام الوزير. لم أكد أصدق ما سمعته أذناي، هل الحزب مستعد لاستفتاء شعبي حول سلاحه؟ لما لا؟ لعلها مبادرة قد تنهي الجدل السياسي والانقسام الحاد في المجتمع اللبناني تماماً فإذا كان الشعب اللبناني بغالبيته مع بقاء سلاح المقاومة بيد حزب الله فلماذا هذا التحامل على حزب الله، وإذا كان غالبية الشعب اللبناني صوت ضد بقاء هذا السلاح بيد الحزب وأن ينقل إلى الجيش اللبناني، حينها لن يكون لحزب الله أي ذريعة في بقاء سلاحه خارج الدولة.. أعتقد أن من الحكمة والذكاء السياسي تلقف كلمة الوزير فنيش لإخراج الشعب اللبناني من عنق الزجاجة والجدل الأفلاطوني حول الدول والمقاومة وأين يبدأ دور الأولى وينتهي دور الثانية؟!