01 نوفمبر 2025

تسجيل

هل أدركت الرياض معنى خسارة الدوحة؟

05 سبتمبر 2019

أحداث اليمن المتسارعة ربما تدفع الأطراف الخليجية نحو حلحلة الأزمة في المنطقة السعودية منذ تورطها بالتدخل في اليمن واستمرار الحرب إلى الآن، ثم حصار قطر فمقتل خاشقجي، وموقفها يتأزم بل يزداد حرجاً أمام العالم، وقد تضاءلت فرص الخروج منها سالماً، بعد أن تشابكت خيوط الأزمات الثلاث عليها، لتأتي أحداث اليمن الأخيرة لتزيد الطين بلة. ولا شك عندي أن الرياض بدأت تعي تماماً معنى غياب حليف استراتيجي مثل الدوحة، في ظل الظروف الخانقة التي تعيشها المملكة حالياً وربما إلى مدى أطول لا يعلم به سوى الله. يرى متابعون للأزمة الخليجية أن أحداث اليمن المتسارعة ربما تساعد أكثر من أي وقت مضى وتدفع الأطراف الخليجية نحو حلحلة الأزمة في المنطقة، لاسيما أن القوة الرئيسية في المنطقة وهي السعودية، تجد نفسها بعد تلك الأحداث قد وصلت لنقطة حرجة لابد من التوقف عندها، خاصة بعد أن تلقت ضربتين موجعتين من حليفتها الإمارات في غضون فترة وجيزة، تمثلت الأولى في انسحابها من التحالف بزعم إعادة تموضع لقواتها باليمن، وهي كما تبين لاحقاً، كانت انسحاباً تكتيكياً تدريجياً، خاصة بعد أن علمت الأخيرة مقدار الضغوط الدولية على المشاركين في حرب اليمن، والتبعات المتوقعة عليهم، فآثرت الخروج من تلك الدائرة سريعاً، لتفاجئ السعودية بضربة ثانية تمثلت في دورها الفاعل في انقلاب عدن والرغبة في تقسيم اليمن – بحسب مغردين رسميين إماراتيين - في خطوة رأتها السعودية في غير محلها ولا وقتها. لقد بات واضحاً للجميع أن تغيراً في المزاج السعودي الرسمي منه والشعبي، قد وقع تجاه الحليف الأوثق والأقرب لها وهي الإمارات، الأمر الذي دفع أصواتاً من الداخل السعودي لتدعو للانفكاك عن الإمارات، رغم ما لذلك من تبعات أكبر من البقاء في التحالف، وضرورة البحث عمن يمكنه التخفيف من عمق الأزمات التي تعيشها الرياض، ولا شك أن الدوحة - بحسب مراقبين للأزمة - هي المحطة التي من المؤكد أن الرياض ستجد حلولاً عندها لبعض أزماتها، انطلاقاً من القاعدة الفقهية التي تقول بأن ما لا يُدرك كله لا يُترك جُلّه. فإذا عجزت الرياض عن حل كل أزماتها دفعة واحدة، فلا يعني القعود وترك أزماتها كلها، بل عليها حل إحداها أو بعضها. ومن هذا المنطلق يرى البعض أن الرياض في ظل ظروفها الحالية قد ترى أن إزاحة أزمتها مع قطر عن طريقها، عبر حوار ما أو صلح من نوع معين ترضاه الدوحة بالدرجة الأولى، ربما يكون عوناً للمملكة – بعد إعادة تطبيع علاقاتها مع الدوحة – وتجد دعماً سياسياً وإعلامياً يعينها على حلحلة أزماتها الأخرى، باعتبار ما لقطر من خبرة وتأثير سياسي في كثير من القضايا والنزاعات، بشهادة أطراف دولية وإقليمية، إضافة إلى تأثيرها الإعلامي كذلك. بناء على كل تلك المعطيات، يرى البعض أن زيارة رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم قبل أيام إلى الدوحة، حاملاً رسالة خطية من الشيخ صباح لسمو الأمير، ربما تكون بداية لجولة كويتية جديدة ضمن جولات عديدة ماضية لإحداث نوع من الانفراجة في الأزمة الخليجية. حيث أتت زيارة سمو الشيخ جاسم، الممثل الشخصي لسمو الأمير للكويت قبل أيام، حاملاً رسالة جوابية للشيخ صباح، لترفع من شأن التوقعات للأزمة الخليجية، وتؤكد أكثر أن هناك تحركاً كويتياً ما يبدو أنه سيكون نشطاً مع بدء عودة الحياة السياسية بالمنطقة، مع انتهاء فترة الإجازة الصيفية، ودليلاً ثانياً على صحة توقعات وتخمينات المراقبين بشأن الدور الكويتي لحلحلة الأزمة الخليجية. وقد اعتبر كثيرون زيارة أمير الكويت لواشنطن بمثابة دليل ثالث على صحة ما يذهبون إليه بشأن حلحلة الأزمة في الخليج، خاصة وأن الدوحة قامت مؤخراً بإعادة تأكيد رسائلها السابقة واستعدادها للحوار من أجل لملمة الصف الخليجي. من ذلك ما أكده سعادة وزير الدفاع، السيد خالد العطية في مهرجان "نجاح قطري" قبل أيام، أن قطر منفتحة على الحوار مع دول الحصار متى أرادت تلك الدول، ولكنه حوار غير مشروط، في إشارة فسرها مراقبون أنها رسالة للثلاثي الخليجي المحاصر لقطر، أن الأزمة لا يمكن أن تنتهي إلا بالحوار ليس غيره. كلنا في قطر، حكومة وشعباً، ندرك رغم كل ما جرى، أن السعودية هي عمقنا الاستراتيجي، وأن أزمة الحصار- بغض النظر عمن يقف وراءها - تُضعف قوة مجلس التعاون كله، وأن العمل على الحوار مع الرياض بشكل ثنائي والوصول إلى تفاهمات، من شأنه تحريك حجر الأزمة، باعتبار أن بقية الثلاثي المحاصر لقطر، ليس بذاك التأثير كما السعودي، فالمنامة قرارها مرتبط بالرياض، فيما القاهرة وجودها في الأزمة كعدمه بالنسبة لنا، ولا تأثير كبيراً علينا، لتبقى أبوظبي بعد ذلك قصة أخرى تحتاج لمعالجة خاصة، لا تعتبرها الدوحة أولوية في الوقت الراهن، بالقدر الذي عليه الرياض. في هذه الأجواء وبهذه الرؤى، أعتقد أن الوسيط الكويتي التقط الإشارات والرسائل، فبدأ من فوره تغيير رؤيته لحل الأزمة، ويعيد قناعاته بشأن الحل، الذي قال سابقاً إنه حل جماعي طالما الأزمة جماعية. لكن مع التغييرات الواقعة على أرض الواقع، واختلاف السياسات والمصالح بين أطراف الأزمة، وانطلاقاً من قاعدة (ما لا يُدرك كله لا يُترك جُلّه) قد تنشط الكويت وتدفع باتجاه دعم تصالح قطري سعودي على مستوى معين كمرحلة أولى، تتبعها - وفق ما سيترتب عليه اصلاح الوضع بين الطرفين - اصلاح الوضع بين الدوحة وبقية أطراف الحصار. ولا شك أن أجندة أمير الكويت في زيارته لواشنطن، ستتضمن الأزمة الخليجية كإحدى الأولويات المهمة بالإضافة إلى بحث قضايا أخرى تخص المنطقة مع ترامب، انطلاقاً من دور الأخير في التأثير على مجريات الأمور بالمنطقة باعتبار تشابك مصالحه مع وليي عهد السعودية وأبوظبي، أطراف أزمة الخليج الرئيسيين. فهل ستتحرك الكويت وفق تلك القاعدة، وبالمثل تكون كذلك تحركات كل من الرياض والدوحة؟ هذا ما يمكن أن تبوح به أيام شهر سبتمبر الجاري، الذي يبدو أنه سيكون ساخناً كما أجواء الخليج، والتي تبدأ بعده تميل نحو الاعتدال. [email protected]