31 أكتوبر 2025

تسجيل

في لبنان والعراق.. تململ أم موجة ثورية جديدة؟

05 سبتمبر 2015

كشفت الحراكات الشعبية التي ضربت لبنان والعراق عن وجود انسداد سياسي تام، تضاءل الأمل معه بوجود مخرج سياسي من الأزمات الموجودة. كما أبانت عن مدى الاحتقان الذي وصلت إليه المجتمعات التي قد يتطور حراكها إلى ثورات غير معروفة طبيعتها فيما لو استمر الوضع القائم على ما هو عليه. وهي قد تكون موجة جديدة من موجات الثورات التي اجتاحت العالم العربي بعد أن عجزت هذه الثورات عن تحقيق أهدافها أو سرقت أو انحرفت عن مسارها. ومن المثير للدهشة أن الجهات المنظمة لها والعناصر الفاعلة فيها أغلبهم من الجيل الذي ولد بعد الحرب في لبنان أو ممن لم يدرك حكم صدام حسين. وبالتالي لم يشعر بنفس القلق التي عاشته أجيال أخرى. ويملك من الجرأة في رفع الصوت واختبار بدائل جديدة أكثر من سابقيه الكثير. كما أن الحراك كان مدنيا تماماً تجلّت مطالبه بالمسائل الإنسانية البسيطة التي لا يختلف عليها اثنان، وهي تتجاوز الأيديولوجيات السياسية أو المطالب الفئوية والطائفية في أكثر بلدين عربيين معروفين بدور الطائفية في تشكيل حياته السياسية.. ثم إن الشعارات المرفوعة في كلا الحراكين شبيهة إلى حد كبير بالشعارات الأولى التي رفعت في ثورتي تونس و25 يناير في مصر. وغابت معها شعارات "يسقط النظام" وهي إن ظهرت فكانت بشكل خجول. كما أن طرحها أثار قلقا وامتعاضا عند بعض المنظمين، لأن المطالبين بها قلقون من تداعيات الفوضى. وهم لا يريدون ثورة جذرية بقدر ما يردون إصلاحاً شاملا في المنظومة التي تسيّر الدولة والمجتمع. والمراهنة على هذه الحراكات الشعبية في هذه المرحلة أمر فيه نوع من الاستعجال . لكنها قد تتطور إلى انتفاضات، قد تشبه في شكلها الانتفاضتين الفلسطينيتين. وحتى تصبح هذه التحركات العفوية حراكات شعبية ضاغطة، لا بد أن تتجاوز بعمق العقبات الاجتماعية والسياسية الموجودة في المجتمعات العربية. يلاحظ في الحالة اللبنانية أن خلفيات المنظمين للحراك الشعبي هم من أنصار أو من بعض المكونات التي تشكلت منها قوى 14 آذار عام 2005 فقد اكتشف جمهور هذه القوى أن شعاراته ولاءاته التي رفعها في 2005 تبخرت، وتم توظيفها بحرفية عالية في المحاصصة السياسية، وأن القوى الممثلة حاليا له في الحكومة متورطة في كل أشكال الفساد السياسي والمالي. كما أن الضائقة المالية التي يمرّ بها تيار المستقبل اللاعب الأقوى والممول الأبرز لجميع قوى 14 آذار لعب دوراً في صورة التململ التي أصابت الكثير من نخبها الفكرية والسياسية. بكل الأحوال، الحراك الاعتراضي نجح بإحداث اهتزاز كبير في الواقع السياسي والحزبي، موجدا حالة سياسية وشعبية جديدة من خارج الانقسام القائم. وفاتحا الباب أمام البحث في تطوير النظام السياسي والإسراع في معالجة الأزمات المختلفة.فهو أسهم في إعادة تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني. ولفت أنظار المجتمع الدولي إلى خطورة ما آلت إليه الأوضاع. إلا أن شخصنة الحراك كما بدا حاصلاً في الأيام الأخيرة من التحركات لحملات مثل "طلعت ريحتكن" سيّس الحراك، وقد يجهضه مستقبلا. ولعل الطبقة السياسية الحاكمة نجحت في جرفه نحو إما مطالب ضيقة على شاكلة الإصرار على استقالة وزير البيئة وإما خلق نزاع داخلي بين منظميه، يرافقه تشويه إعلامي متعمد، بأن سفارات ودول إقليمية صغيرة أو كبيرة أو رؤساء حكومات سابقة تقف وراءه، دون كشف عن أسماء هذه الجهات المتورطة أو تقديم أدلة دامغة تقنع الرأي العام اللبناني. وهناك لا شك محاولة حثيثة خارجية لتوظيف هذا الحراك. فدعوة فلتمان مجلس الأمن لعقد جلسة طارئة لبحث الوضع اللبناني مؤشر مقلق. وما يتم تداوله في الصحف اللبنانية عن رغبة دولية بخلق جبهة علمانية في لبنان تتجاوز التخندق الطائفي يقلق أكثر مما يطمئن، إذ يزيد من ريبة هذه الحراكات الشعبية. وتبقى الأسئلة الأكثر أهمية في المشهد: هل يمكن أن يُسهم الحراك الاحتجاجي في تغيير الواقع السياسي في كل من العراق ولبنان، وهل بإمكانه التمدد إلى بلدان أخرى؟ إلى أي مدى يبقى محمياً من التجاذبات الداخلية أو التوظيف الخارجي لصالح أجندات غير وطنية؟!