26 أكتوبر 2025
تسجيلالقصة هذه المرة تأتينا من فرنسا وتتعلق بتورط صحفيين في عملية ابتزاز فاضحة لملك المغرب مقابل ثلاثة ملايين يورو لقاء تخليهما عن نشر كتاب يتضمن معلومات خطيرة عن الملك وأسرته. من الناحية المهنية والأخلاقية الفضيحة تعني الكثير حيث إنها تعبر عن الهدف النهائي من صحافة الاستقصاء وصحافة الكتب التي تنشر عن الملوك والرؤساء والمشاهير وهو المادة لا غير، وليس تنوير الرأي العام وإمداده بالمعلومات التي يحتاجها سواء في اتخاذ قراراته أو في تشكيل آرائه حول من حوله خاصة من يحكم بلاده. فهكذا وبكل بساطة فضل الصحفيان الفرنسيان المال على نشر الكتاب وتقديم معلومات للشعب المغربي عن الملك وعائلته وتدبير شؤون القصر. فالأمر منذ البداية كان يتعلق بكسب الأموال على حساب المهنية والحرفية وأخلاقيات الصحافة. فمن يبحث عن المال عن طريق التنقيب عن تجاوزات وأخطاء الآخرين فقد يستعمل كل الطرق والوسائل للوصول إلى المعلومات والبيانات التي تحول فيما بعد للكسب الكبير. فهدف الصحفيين الفرنسيين في نهاية الأمر هو ليس الاستقصاء والبحث عن الحقيقة بقدر ما هو الكسب المادي الكبير والسريع. والغريب في الأمر أن الصحفيين بررا سلوكهما بأن الفكرة ليست فكرتهما وإنما جاء العرض من القصر الملكي وأنهما كانا في حالة ضعف وقبلا الصفقة. أيحق لصحفي محترف أن يقول هذا الكلام عن عملية هي في واقع الأمر رشوة وابتزاز بكل ما تحمله الكلمتان من معنى. يحدث هذا في دولة تتغنى بالديمقراطية وقوة صحافتها وقوة إعلامها وقوانينها ومواثيقها. نفى الصحفيان الفرنسيان إريك لوران وكاترين غراسييه، المتهمان بالسعي لـ"ابتزاز" ملك المغرب محمد السادس، أن يكونا قد طرحا صفقة مالية قيمتها ثلاثة ملايين يورو على ممثله هشام نصيري لقاء تخليهما عن نشر كتاب كانا بصدد إعداده يتضمن معلومات قد تضر بالملك وعائلته. وأكد الصحفيان أنهما "وقعا في فخ" وأن القصر أراد "المساس بكرامتهما" و"بسمعتهما المهنية". قال إريك لوران، الصحفي الفرنسي المتهم بمحاولة "ابتزاز" الملك محمد السادس في حوار خاص مع جريدة "لوموند" الفرنسية "أتحدى ديبون موريتي، وهو محامي الملك محمد السادس، أن يقدم دليلا واحدا، يثبت أنني الأول من طلب من القصر الملكي دفع ثلاثة ملايين يورو مقابل التخلي عن إصدار الكتاب أو أنني حاولت ابتزاز الملك أو تهديده". يقول إريك لوران، مؤكداً أن المبادرة القاضية بتقديم أموال مقابل وقف نشر الكتاب، لم تأت منه أبداً ولا من زميلته كاترين غراسييه، بل من منير المجيد، المستشار القانوني للملك محمد السادس. وفي سؤال لماذا قبلت الدخول في مثل هذه الصفقة مع القصر الملكي المغربي، أجاب الصحفي الفرنسي أن الكتاب الذي كان بصدد إصداره يضم معلومات خطيرة جدا وبإمكانها أن تهدد العرش الملكي. وهذا ما جعله يقبل اقتراح المستشار القانوني للملك مقابل وقف نشره من جهة وخشية منه أن يتحول المغرب إلى جمهورية إسلامية من جهة أخرى حسب تعبيره. وأضاف أنه وقع ضحية "مكيدة" نصبها له القصر الملكي لكي "يطيح به" و"يشوه سمعته المهنية". وحول مضمون الكتاب، كشف إريك لوران أنه يتحدث عن الصراعات المتواجدة داخل العائلة الملكية الحاكمة وعن الأموال الباهظة التي تبذرها، إضافة إلى معلومات أخرى تخص الملك الحسن الثاني. وتأسف قائلاً "المغرب يواصل استعمال الأراضي الفرنسية من أجل أعمال دنيئة، في السابق كان النظام يصفي جسديا معارضيه، أما اليوم فهو يحاول أن يمس بسمعتهم المهنية وكرامتهم". القراءة المتأنية لتصريحات إريك رولان تشير بكل وضوح أن الصحفي تجرد من مسؤوليته إزاء القارئ وتجرد من أخلاقيات المهنة واستسلم للمادة بكل سهولة ويسر وإلا كيف يصرح ويقول إن المبادرة جاءت من القصر وليس منه. هل هذا الكلام يبرر الحصول على ثلاثة ملايين يورو بهذه البساطة. أما كاترين غراسييه فإنها لم تأت بجديد بل كررت التبريرات الواهية لقبض المال بغير حق، حيث إنها أكدت في حوار مع جريدة "لوبارزيان" أنها لم تفكر أبداً "ابتزاز" الملك محمد السادس، بل وقعت في "فخ" نصبه لها القصر الملكي كونها معارضة له. وقالت إن القصر الملكي هو الذي عرض الصفقة المالية عليهما، مضيفة أنها تقوم منذ عشر سنوات بتحقيقات حول المغرب وتعيش تحت مضايقة الأجهزة الأمنية المغربية لها. وواصلت "لقد بدأت عملي الصحفي في جريدة معارضة للقصر وشاركت في كتابين، أحدهما يندد بسطو الملك على الاقتصاد المغربي وعلى ثروات البلاد. لقد تعرضت إلى ضغوطات وإلى تهديدات بالقتل عبر مواقع التواصل الاجتماعي كما تعرضت العائلات والشهود الذين التقيت بهم إلى ضغوطات من طرف أجهزة الأمن المغربية". وبخصوص محتوى الكتاب، أكدت الصحفية أن الكتاب سيفجر قنبلة، إذ يتحدث عن العائلة الملكية ومشاكلها الكثيرة وحول الأموال الباهظة التي تصرفها، منوهة أن التحقيقات كانت شاقة ومتعبة ليس لهما فحسب بل حتى بالنسبة لمصادرهما. وبشأن المكالمات الهاتفية مع القصر الملكي، أضافت كاترين غراسييه أن هدفها التحقق بشأن بعض المعلومات التي كانت ستنشر داخل الكتاب، موضحة أن تقديم ثلاثة ملايين يورو مقابل وقف نشر الكتاب كانت مبادرة جاءت من المستشار القانوني للملك وليس من زميلها إريك لوران. أما عن دوافع مشاركتها في الموعد الثالث الذي جرى في فندق فخم بباريس بين الصحفي إريك لوران ومستشار الملك، قالت كاترين غراسييه إنها كانت تريد فقط أن تتأكد بأن ممثلا للملك كان حاضرا شخصيا في هذا الموعد الذي غالبا ما يحضر فيه أفراد من الاستخبارات ورجال الأمن حسب اعتقادها. مؤكدة أنها المرة الأولى التي تلتقي بمحامي الملك طيلة عشر سنوات من التحقيقات حول المغرب. وأقرت كاترين غراسييه أنها وقعت مع زميلها إريك لوران على برتوكول الاتفاق بينهما وبين ممثل محمد السادس في وقت كانت تشعر بضعف من الناحية النفسية، وحاولت الدفاع عن نفسها بالقول إنها "إنسان مثل باقي الناس وكل شخص يمكن أن يمر بلحظات ضعف ويتساءل ماذا يمكن أن يفعل بثلاثة ملايين يورو" حسب تعبيرها. وشددت أن القصر الملكي هو الذي اقترح هذا الاتفاق وليس هي أو زميلها، معترفة في الوقت نفسه أن سلوكها غير مهني ومنبوذ من الناحية الأخلاقية، لكن ليس من الناحية الجزائية أو القانونية كون أن الصفقة موقعة من طرف جهتين خاصتين. وعندما ألقت الشرطة عليها وفي يديها مبلغ مالي كبير، أكدت كاترين غراسييه أن العملية كانت مدبرة ومخطط لها، لكن رغم ذلك أقسمت بنشر الكتاب قريبا. باختصار، الصحفيان استسلما للمال على حساب الالتزام بالمهنية والحرفية والأخلاق والقيم ومبادئ الصحافة الملتزمة والشريفة والنزيهة التي تهدف إلى الكشف عن الحقيقة وليس قبض المال مقابل إخفائها وطمسها.