01 نوفمبر 2025
تسجيلوضع السيد كينغ سوي، أول زير دفاع سنغافوري ومؤسس جيشها الحديث الفقرتين التاليتين في التقرير الذي قدمه إلى مجلس الدفاع خلال السنوات الأولى لتأسيس سنغافورة: " من الحمق السماح لأنفسنا بالخضوع لتأثير التنويم المغناطيسي الذي يفرزه التفاوت في عدد السكان بين سنغافورة وجاراتها، فالمهم هو القدرة القتالية للقوات المسلحة وليس عدد السكان، وبعد خمس سنين من التجنيد يمكننا حشد جيش من مائة وخمسين ألفا عبر تعبئة الاحتياط وباستخدام الأفراد الأكبر سنا والنساء في المهمات غير القتالية. .... يتوجب علينا في نهاية المطاف تجهيز جيش ميداني بقوة قتالية قوامها مائتان وخمسون ألفا من الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 – 35 عاما، ولا ينبغي الاستخفاف أبدا بالقدرة الكامنة لدى شعب صغير مفعم بالطاقة والحيوية والنشاط وعلى مستوى رفيع من التعليم، ويمتلك الدافع المحفز على شن الحرب.". انتهى. أما اليوم فإن عدد سكان سنغافورة يبلغ حوالي خمسة مليون شخص، ولديها جيش عامل تبلغ قوته حوالي 72 ألف شخص مدربا تدريبا عاليا، لديه إمكانية إنزال خارج الحدود لكل فروعه المقاتلة، البحرية والجوية والبرية، ويستطيع هذا الجيش في حالة الطوارئ تجنيد من 500 ألف إلى 800 ألف من الاحتياط المدربين والجاهزين للخدمة العسكرية والذين يعرفون مهامهم القتالية مسبقا. نشرت صحفنا القطرية منذ أيام خبرا عن مشروع التجنيد الإجباري الجديد في الدولة، وأعتقد أن مثل هذا المشروع سيلاقي استحسانا من الناس خصوصا إن بدا جادا صادقا لا يحابي أحدا، فنحن بحاجة لأن نزرع في أولادنا الالتزام والانضباط والروح العسكرية ولكن هل المشروع وحده فقط يكفي لفعل ذلك؟ إن أسلوب حياتنا وتربيتنا وثقافتنا مليئة بالعيوب التي يجب معالجتها قبل أن يجابه مدربو معسكرات التدريب مجموعة من الشباب الصغار الذين لايفهمون من العسكرية سوى الزي والتحية، ومتخمين بعادات يتعين عليهم محاربتها مثل السمنة المفرطة والكسل والاتكال على القبيلة والعائلة والمعارف والخدم للحصول على كل ما يطلبونه ومعتقدين أن المال يستطيع فعل كل شيء لهم. إننا أمام أجيال من الشباب الذي تربوا في ظروف غير الظروف التي تربينا بها، ويستمتعون برفاهية لم نكن نحلم بالحصول عليها عندما كنا في أعمارهم، ولهذه الرفاهية سلبيات كثيرة وهي التي سيواجهها المدربون، ولكنهم بالتأكيد لن يستطيعوا التعامل معها بمفردهم دفعة واحدة. وحتى نؤهل الجميع لهذا التغيير في حياتهم يتوجب علينا أن نرى التربية العسكرية والانضباط تبدأن من المدرسة، يجب أن يغرس في الطلبة خلال مراحلهم الدراسية المختلفة احترام المدرس والنظام والقانون قبل أن تصدر الأنظمة التعليمية والتربوية والاجتماعية مشاكلها إلى معسكرات التدريب فجأة. نحن بحاجة إلى الاعتراف بعيوبنا بشكل صريح قبل محاولة حلها وقد يكون ذلك قاسيا بعض الشيء، ولكنه الطريق الوحيد للحصول على شباب جاد حسن التعليم ومنضبط وقادر على التعامل مع تحديات الزمان والمكان. خلال دراستي في مدرسة صلاح الدين الابتدائية كانت أختي تدرس في مدرسة آمنة بنت وهب القريبة وكنت أراها تحمل معها الكثير من الأعمال التي كان يتوجب عليها القيام بها مثل التطريز والحياكة والتدبير المنزلي والطبخ، كانت تحملها معها من المدرسة أو إليها بشكل يومي، إن تلك المهارات التي تكتسبها الفتيات خلال دراستهن الأولى تنمي فيهن روح المبادرة والاعتماد على النفس والتفكير وتطوير الذات وهي أمور فقدناها مع الأسف، وفي بعض الدول يضاف إلى كل ذلك مبادئ المحاسبة وإدارة المال بشكل مبسط. إن الشاب الذي ينتهي من معسكر التدريب ليكون شخصية أفضل يجب أن يلاقي من تكون قادرة على القيام بواجب المنزل وإدارة المال وتربية العيال بعيدا عن الرفاهية القاتلة التي يعاني منها البعض حاليا، حيث متطلبات العرس عادة ما تكون خارج نطاق العقل والدين ابتداء من إعداد الخدم وانتهاء بأنواع السيارات وألوانها وأسعارها، إذ إن القصد ليس بناء الشاب فقط ولكن بناء العائلة القادرة مجابهة الزمن بكل تقلباته وتصاريفه. إن مشروعا مثل هذا يجب أن يكون مشروعا وطنيا يشربه الطالب في مناهج التعليم ليسير معه في رحلته التعليمية حتى يصل إلى نهايتها، وحين يحط رحاله في المعسكر يكون قد أتم ما عليه وحصل على ما ينبغي من انضباط وتربية بدنية وعقليه فلا يبقى له سوى أن يتدرب على السلاح المقعد النوعي بكل أنواعه وأن يتمكن من العمل ضمن مجموعة من أجل الدفاع عن الوطن متخليا عن العيوب التي تراكمت في عقله خلال سني تربيته المنزلية، فخلال التدريب الجميع سواسية في لباسهم وطعامهم وعرقهم ونومهم، فلا مجال للواسطة والقبيلة والمال. إن تجربة التدريب العسكري للطلبة ليست حديثة، فقد راكمت الكثير من الدول تجاربها الخاصة، فبعضها طور النظام وادخل عليه تعديلات ومازال يفعل، وبعضها مازال يعاني من ثقل الإرث وعدم فاعليته وصعوبة تطويره، وأتمنى من كل قلبي أن نخرج بتجربة ليست محصورة في التدريب لبضعة أشهر فقط ولكن في نظام يعيد لنا صياغة حياة أبنائنا وبناتنا، نظاما متكاملا مع التعليم الأولي والمتقدم ومع نظرتنا لدولتنا خلال العقود القادمة والتحديات التي يجب أن نجهز أبناءنا لها.