16 سبتمبر 2025

تسجيل

المشاركة قبل المباركة

05 سبتمبر 2012

تعتمد معظم الألعاب الرياضية على فكرة الإدارة بالإنجاز، فالمدير الفني لأي فريق يتمتع بصلاحيات مطلقة في تحديد التشكيل الذي يلعب به فريقه والخطة المتبعة في مواجهة الفريق المنافس بهدف الفوز. وطالما أنه يحقق مع فريقه انتصارات متوالية فليس عليه حرج ألا يستشير أحد في قراراته، فالمهم هو إحراز الألقاب وليس المشاركة مع اللاعبين أو المتفرجين في اتخاذ القرارات. الأمر نفسه في عالم الفن، حيث يتمتع مخرج أي عمل فني بصلاحيات واسعة يختار بناء عليها طاقم الممثلين وطريقة أدائهم لأدوارهم، ويصبح المحك الوحيد الذي يقيم على أساسه هو حجم الأرباح الذي يحققه الفيلم أو المسرحية. وبناء على هذا لا يطلب أحد من مخرج العمل أن يبرر اختياراته أو أن يشرح للناس منطقه، فالعبرة بالنتيجة أو بالإنجاز النهائي. لكن كلا من عالمي الرياضة والفنون، مهما كان حجم الاستثمارات التي تضخ فيها أو الأرباح التي تحققها، هي في نهاية الأمر مجالات ترفيهية، وعليه لا يمكن مقارنتها بعالم السياسة الذي يتعلق بمعاش الناس ومصيرهم، ولهذا لا ينبغي أن يكون المعيار المستخدم لتقييم الأداء فيه هو نفسه المستخدم في مجالات الترفيه، أي معيار الإنجاز. فإذا كان المدير الفني في حالة فريق كرة القدم يتعامل مع "لاعبين"، وإذا كان مخرج العمل الفني يتعامل مع "ممثلين"، فإن القائد السياسي يتعامل مع شعب لا يمكنه أن يتخطاه أو أن يتجاهله وهو بصدد اتخاذ القرارات التي تمس حاضر هذا الشعب ومستقبله. ومناسبة هذا التمهيد هو ما استشعرته قطاعات من الشعب المصري مؤخرا من كونها "آخر من يعلم" بملابسات عدد من القرارات التي اتخذتها القيادة السياسية واعتمدت في تمريرها على منطق الإنجاز، أكثر من منطق المشاركة. فعلى سبيل المثال؛ لم يفهم أحد من المصريين ملابسات الإقالة المفاجئة لقيادات المجلس العسكري، ولم يستشر المصريون في موضوع القرض الضخم الذي أقدمت عليه حكومتهم من صندوق النقد الدولي، كما لم يفهم الكثيرون مسوغات استهلال النشاط الخارجي للرئاسة بزيارة كل من الصين وإيران رغم كونهما من الدول المناوئة للربيع العربي على نحو علني. وإذا كانت اعتبارات الأمن القومي وتوازن القوى الداخلي تمنع من أن يتم التصريح بملابسات حملة الإقالات التي جرت في صفوف المؤسسة العسكرية، فإن القرارات الأخرى تبدو أقل سخونة ومن ثم كان من الوارد أن يطلع المصريون على تفاصيلها قبل أن يطالبوا بمباركتها، فمثلاً كان من الطبيعي أن يفهم الناس الأساس الذي تم بناء عليه اتخاذ القرار بالاقتراض الدولي رغم الرفض الذي قوبلت به هذه الخطوة عندما فكرت فيها الحكومات السابقة، كما كان من الوارد أن تقدم الحكومة إجابات عن الأسئلة التي شغلت أذهان الناس بشأن هذا القرض من نوعية: لماذا تستهل الحكومة عهدها بأداء اقتصادي لا يختلف كثيرا عن أداء الحكومات السابقة، وما هو البرنامج الذين ألزمت الحكومة نفسها به من أجل أن تقنع صندوق النقد بإقراضها، وكيف يمكن أن تقيد الحكومة نفسها بشروط تجعل عنقها في رقبة رجال الأعمال والاستثمارات الأجنبية في الوقت الذي تنصرف فيه عن استكشاف إمكانات الداخل؟ الأمر نفسه فيما يتعلق بسجل الزيارات الخارجية التي قامت بها القيادة السياسية واستهلتها بزيارة الصين، صحيح أن ثمة إنجازات قد تحققت من وراء هذه الزيارة؛ تمثلت في الاتفاق على بعض الاستثمارات الصينية فضلاً عن تقديم منحة بقيمة 70 مليون دولار للحكومة المصرية. إلا أن هذه الإنجازات لا تعفي الرئاسة من توضيح منطقها من وراء تغليب المصلحة المادية على الموقف المبدئي الذي كان يتعين عليها اتخاذه إزاء الدعم الصيني لنظام بشار القمعي. وبنفس هذا المنطق يمكن التساؤل عن الأساس الذي تم بناء عليه اتخاذ القرار بزيارة طهران. صحيح أن توابع الزيارة أحدثت هي الأخرى أثراً إيجابيا في الشارع المصري، إلا أن هذا لا يزيل علامات الاستفهام حول مغزى الزيارة على هذا المستوى، في الوقت الذي يتسبب فيه الدعم الإيراني لنظام بشار في إطالة أمد المعاناة التي يعانيها الشعب السوري، وهو الأمر الذي يشغل الرأي العام المصري ربما بأكثر مما تشغله الإنجازات المعنوية التي حققتها الزيارة. إن من المهم أن تدرك مؤسسة الرئاسة أن نجاحها الحقيقي في هذه المرحلة إنما يقاس بمدى قدرتها على التقارب مع الجماهير واستشعارها لنبض الشارع وليس فقط بتحقيقها لإنجازات ذات طابع غير تشاركي. فحتى إذا كان الاستماع لرأي الجماهير متعذرا بفعل الغياب القسري لمجلس الشعب المصري في هذه المرحلة، فليس أقل من أن يخرج الرئيس بنفسه عبر الإعلام بين الحين والآخر لمخاطبة الجماهير وشرح مبررات قراراته السياسية والاقتصادية، وبخاصة في هذه المرحلة الحساسة التي تجمع فيها مؤسسة الرئاسة على نحو استثنائي بين الصلاحيات التنفيذية والتشريعية، الأمر الذي يتطلب منها أن تبذل احتياطات أكبر وهي تتخذ مثل هذه القرارات الاستثنائية. فالسياسة الناجحة لا تقاس فقط بمقدار ما تحققه من إنجازات، وإنما أيضا بما تحدثه من مشاركة مجتمعية واسعة تشعر الجمهور أنه مازال الرقم الأهم في معادلة السلطة والحكم.