20 سبتمبر 2025
تسجيلبعد كل هذه الفظائع والشنائع التي مازال النظام السوري الطاغي يرتكبها ضد الثورة السلمية التي يقوم بها المحتجون بصدور عارية طلباً للتغيير الحقيقي وليس الترقيع وإجبار الشعب على التعاطي مع أفكار الظالم المنمقة شكلاً الفارغة مضموناً، ومع استفحال الوحشية والقمع الرهيب الذي أحرق الأخضر واليابس قتلاً وحرقاً وسحلاً وتعذيباً واغتصاباً وتهجيراً حتى استخدمت أمس الطائرات الحربية محلقة فوق مدينة حمص مخترقة جدار الصوت حتى يعم الترويع جميع الآمنين في بيوتهم ويتحطم زجاج النوافذ والأبواب وتحدث الهزات الرهيبة في القلوب والنفوس لردع الشعب، خاصة الشباب عن المظاهرات والاستمرار بالانتفاضة، وبعد كل ما يحدث من الديكتاتورية المغرقة باسم الديمقراطية وحماية الوطن أصبح الناس في الشارع السوري بل وفي غيره منقسمين إلى قسمين أحدهما يريد التدخل الخارجي سواء كان سياسياً أو عسكرياً والبعض يكتفي بالأول دون الآخر لإيقاف الطاغية عند حده، إذ إن قانون التدافع في الأرض والسنن الكونية ربما تقتضي ذلك والثاني: لا يوافق على هذا التدخل أياً كان إذ إن الضرر المترتب على ذلك سيكون أكثر بكثير من النفع المتوقع وإن الحل يجب أن يبقى في البيت السوري دون التدخل في سياسته من أحد وهكذا يتساءل هذان الفريقان فأي منهما أحق بالصواب يا ترى؟ ونحن منذ البداية نقول: إنه لم يكن أمر الاستعانة بالأجنبي مطروحاً البتة عند السوريين بل كانوا يطلبون العدل والمساواة والحرية والكرامة والدولة المدنية وعدم الاستئثار بالحكم من قبل آل الأسد وحدهم مقابل الشعب الذي يختزن في روحه وقلبه وعقله آلاف الكبار المتمكنين الأحرار القادرين على حكم سوريا على أساس المواطنة والإخلاص العتيد لخدمة الوطن الغالي ولكن – وكما يعرف الجميع – لم يتعامل النظام مع مطالب المحتجين إلا بالقمع المنقطع النظير الذي امتد إلى قصف البيوت والأحياء والمناطق جميعاً وعمل على إذلال المواطنين بالانتهاكات الصارخة لمقدسات النساء والشيوخ والأطفال والشباب المنتفضين وقابل كل هذه المعارضات اللسانية بنيران الرصاص والمدافع والبوارج بل والطائرات، وهكذا فإن سقف مطالب الشعب لم يرتفع إلا بعد هذه التعاملات الأمنية الوحشية التي استخدم الجيش الذي أعد لحرب العدو وحماية الحدود فيها إمعاناً في الترهيب الذي طال محرمات كثيرة، ولذلك وبما أن النظام لم يستجب فعلياً لإصلاحات حقيقية تجعل الناس سواسية وليسوا أغناماً مع الذئاب وليسوا عبيداً عند الأسياد فإن الأحرار لم ولن يقبلوا بهذه الجراحات التجميلية عند النظام فاستمروا ومازالوا وما نظن أن النظام سوف يفلح مهما قمع واستغل الوقت الذي يعطي له تارة من تركيا وأخرى من روسيا والجامعة العربية البائسة لينهي إرادة الشعب ويكسر عظمه وعصبه في هذه المعركة، هذا وإن كان عدد لا بأس به من المنتفضين قد نادوا عبر اللافتات المكتوبة بالتدخل لحماية المدنيين، إذ تفاقم الأمر على شكل لم يعد يطاق أبداً بعد المذابح والمجازر الرعيبة والقصف الذي دك مدينة حماه فحصد أكثر من ألف قتيل والذي طال مخيم الرمل الجنوبي في اللاذقية فأذاق الفلسطينيين والسوريين الويلات من القتل والاعتقال والانتهاكات ولذلك أهاب هؤلاء بالمجتمع الدولي أن يتدخل، خاصة لحماية المدنيين انطلاقاً من أن هذا التدخل أمر تقره جميع الشرائع السماوية والقوانين الوضعية حتى لا تصبح الحياة غابة يأكل فيها القوي الضعيف وقد وردت نصوص لسنا بمقام استيفائها فقهياً الآن ولكن لا بأس بعرض شيء منها حتى لا يظن أن هذا الفريق الذي طلب الحماية يتصرف من تلقاء نفسه ويستقوي بالأجنبي ولذا نقول: إذا كان الأصل عدم الاستعانة بغير المسلم فإن الاستثناء من هذه القاعدة واردة أيضا لضرورة تحقيق المصلحة الحقيقية المعتبرة للحفاظ على الدين أو العقل أو العرض أو المال أو النفس، وكل هذا وارد اليوم في هذه المعادلة غير المتكافئة بأزمتها بين الشعب والحكومة، ومن هنا كنا نرى في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف قبل حماية عمه أبي طالب غير المسلم في مواجهة المشركين كما قبل إجارة أو جوار المطعم بن عدي وهو كافر لما رجع من الطائف إلى مكة وكذلك قبل بعض الصحابة رضوان الله عليهم جوار من أجارهم من المشركين ليدفعوا عنهم الأذى كما نقل د. عبدالكريم زيدان في كتابه المستفاد من قصص القرآن 2/144 فإذا كانت ثمة حاجة ماسة للمسلمين في ذلك وتم الوثوق من جهة العدو فلا مانع من ذلك وقد اختنق السوريون اليوم بحاكم ظالم لا شبهة في ظلمه وهنا يقول الفقهاء: يجب على الناس معاونة المظلومين. وقد نقل الشوكاني أن الاستعانة بغير المسلمين كانت ممنوعة ثم رخص فيها أي للضرورة، على أن أبا محمد بن حزم أجاز الاستعانة بالكافر حتى في الغزو ليس من جهة الأحاديث أي والنصوص ولكن من جهة الاضطرار مستدلاً بآية رخصة المضطر قال ابن حزم: إن أشفى أهل العدل على الهلكة واضطروا ولم تكن لهم حيلة فلا بأس بأن يلجأوا إلى أهل الحرب وأن يمتنعوا بأهل الذمة ما أيقنوا أنهم في استنصارهم لا يؤذون مسلماً ولا ذمياً في دم أو مال أو حرمة مما لا يحل وإلا فعلى المسلم أن يصبر ولو تلفت نفسه أو ماله أو يقاتل حتى يموت شهيداً كريماً، ولعلنا الآن لم نصل إلى هذا الحد وإن كنا قاربناه، وإذا كانت الفتوى تقدر زماناً ومكاناً وشخصاً وحالاً وظرفاً كما يقول ابن القيم رحمه الله فالملاحظ أن مثل هذا الطلب في الفتوى لم يكن بداية الاحتجاجات ولكن الناس اليوم دخلوا في الضرورة وما ندري بل هو المتوقع أن تزيد هذه الضرورة نتيجة الاستمرار في القمع الوحشي، وقد كان أبو حنيفة رحمه الله يرى الرأي صباحاً أحياناً ويرجع عنه مساء فيسأل في ذلك فيقول: لعله انقدحت في ذهني أي بحسب الواقع والموضوع والظرف فمن رحمة الشريعة والحمد لله أن تحتمل هذه الوجوه وقد قال الشاعر: إذا لم يكن إلا الأسنة مركباً فما حيلة المضطر إلا ركوبها وهكذا فما يفتى به في الظروف الطارئة والحروب يختلف عن الأحوال العادية في الرخاء والسلم، وعلى ذلك تنسحب الفتوى ببعض تدخل ممهد ومحذر في الجانب العسكري كالطلب من المجتمع الدولي أن يفرض حظراً جوياً في سوريا لحماية الشعب من الرعب إذ إن الجيش، خاصة الفرقة الرابعة بإمرة ماهر الأسد يشتد قمعها وهي الآمرة الناهية وبالاتفاق مع بشار ولأجل الحفاظ على السلطة يمكنهم أن يبيدوا نصف الشعب السوري ولا يأبهون إذ لا رحمة لديهم حيث إن هذه الرحمة تكون فقط الهدية الدائمة للصهاينة محتلي الجولان دون الشعب ولهذا قد يتساءل القارئ الواعي إذا كانت الاستعانة بغير المسلمين لم تكن بمعنى الاحتلال الذي لم يقل به أحد من المسلمين ولم يأت منها ضرر أكبر من ضرر الحاكم الظالم المستبد أفلا يسوغ للمضطهدين المعذبين الذين أوذوا في أموالهم وأنفسهم وأعراض نسائهم أن يستعينوا مع تحقيق مصالح معتبرة، خاصة أن أبا حنيفة رحمه الله ذهب أيضا إلى جواز الاستعانة ضمن ضوابط المصلحة وحاجة المسلمين وكذلك الإمام أحمد وقد ورد عن الزهري وهو مرسل أن النبي استعان بناس من اليهود في خيبر في حربه فأسهم لهم، انظر حول الموضوع بصحيح مسلم بشرح النووي 32 كتاب الجهاد والسير ومسند أحمد حديث رقم 2767 ونيل الأوطار 8/45 وكتاب السير لمحمد بن الحسن الشيباني وكتاب الأخلاق الإسلامية لمحمد زكريا النداف ص 573 والعمدة في إعداد العدة لعبد القادر بن عبدالعزيز ص66 وغير ذلك من المصادر. أما بالنسبة للفريق الآخر من الشعب السوري الذي لا يوافق على أي تدخل فهذا رأي جيد لو استمع النظام إلى اخوانه الحكام العرب والمسلمين أو استجاب للمجتمع الدولي بإيقاف العنف الوحشي ولم يكن هو السبب الرئيسي في مجئ هذا التدخل وإلا فما أسوأ الحاكم الذي يلجئ شعبه لطلب التدخل الخارجي، وفي الختام نذكر أننا إذا استمر الوضع هكذا فلابد من تدخل عربي إسلامي حتى لو كان عسكرياً، فإذا لم يحدث واضطر الشعب فقد نرى أن التدخل السياسي والمعنوي الخارجي أولى فإن لم يجد فتدخل عسكري محدود.