29 سبتمبر 2025

تسجيل

اللغة العربية في خطر

05 أغسطس 2020

انبثقت اللغة العربية من اللغة الأكدية السامية، وهي اللغة السامية الأولى المكتوبة التي حافظت على تألقها واستمراريتها وتطوَرها من بين اللغات السامية الأخرى مثل الآشورية والبابلية والآدومية والسامرية والايبلاوية، وكانت اللغة العربية التي ظهرت في القرن العاشر قبل الميلاد هي اللغة العلمية على مر القرون في فلسطين وشرق الجزيرة العربية، وقد أغناها القرآن الكريم "قرآناً عربياً غير ذي عوج لعلهم يتقون" الآية 28 سورة الزمر، صقلها القرآن ووسع مساحة انتشارها حتى غدت مرجعاً تستند إليه كثير من شعوب العالم، ويتحدث بها أكثر من 700 مليون إنسان على امتداد الكرة الأرضية، وكان السبب في ذلك انتشار الإسلام بين الأمم غير العربية مثل كثير من الدول الآسيوية التي أنشأت مطابع باللغة العربية في القرون الوسطى وأصبحت هي اللغة العلمية والشعرية الأولى في تلك العصور. من أين أتى الخطر؟ منذ بدء الحروب الضروس على اللغة العربية التي اشتدت في القرن التاسع عشر ودخول الاستعمار بلادنا العربية، أصبحت لغتنا الجميلة في خطر حقيقي وتمثلت تلك الحروب في إضعاف الأمة العربية وإدخال بعض الثقافات الغربية إلى مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ودخول المدارس الأجنبية بكثرة في بلادنا العربية، وصمدت لغتنا العربية وهي تُنازع للبقاء على قيد الحياة وحيدة متروكةً لقدرها، لا مُعين لها، لولا بعض المبادرات الأصيلة التي تطفو على سطح مساحة التربية والثقافة في بعض المُدن والعواصم العربية، ومنها إعلان 18 ديسمبر- كانون الأول اليوم العالمي للغة العربية، وقد تحوَّل تعلُّم اللغات الأجنبية وهي مسألة ضرورية جداً في عالم اليوم إلى انقلابٍ على لغةُ الأمة، وكانت أغلبية السياقات التي تحصل فيها عملية تدريس الإنجليزية، تنمُّ عن خطط لاستبدال لغةٍ بلغةٍ أخرى، مما همَّش إلى حدٍ بعيد مكانة اللغة العربية، وتطور الأمر في بعض المجتمعات العربية إلى اعتبار أنها لغة لا حاجة لها في سياق استمرارية الحياة العامة والحياة العملية، وإنها أي العربية لغةٌ مُعقَّدة، وفيها الكثير من التحريكات القاسية على السمع، وتحمّلُ المعاني المُتعدِدة التي تُربِك مُستخدميها، وهذا الاعتقاد الخاطئ جعل كثيراً من مثقفي الأمة لا يقومون بواجبهم تجاه تطوير لغتهم الجميلة والاعتزاز بها ونستثني من ذلك بعض المبادرات النادرة التي تقوم بها بعض المعاهد العلمية والعواصم العربية للنهوض بلغتنا الجميلة. قطر حامية اللغة العربية تعتبر دولة قطر هي الدولة الوحيدة التي اتخذت خطوات جادة في حماية لغتنا الجميلة بتدشينها لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية في ديسمبر للعام 2018م تحت رعاية سمو أمير البلاد المفدى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله ورعاه، ومعجم الدوحة التاريخي للغة العربية هو مؤسسة لغوية علمية ذات شخصية اعتبارية، تابعة للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدولة قطر، بل ذهبت دولتنا الحبيبة إلى أبعد من ذلك عندما أصدرت القانون رقم 7 لسنة 2019م بشأن حماية اللغة العربية بإلزام الوزارات والمؤسسات والهيئات باستعمال اللغة العربية في اجتماعاتها، وأن تشريعات الدولة تصاغ باللغة العربية، وأن تكون اللغة العربية هي لغة المحادثات والمراسلات مع الحكومات والمنظمات والمؤتمرات، وأخيراً أن تكون اللغة العربية لغة التعليم في المؤسسات التعليمية العامة وتدريسها كمادة أساسية في مناهج المؤسسات التعليمية الخاصة. ويجب علينا كمؤسسات تعليمية وأجهزة حكومية وتربويين ومثقفين أن نطبق هذا القانون الذي أصدره صاحب السمو أمير البلاد المفدى وأن تقوم مدارسنا العامة بدورها في النهوض بهذه اللغة الجميلة وتعود مناهجنا التعليمية لتعليم اللغة العربية كما كان في السابق بتعليم الأحرف الأبجدية وهي الأساس في التعليم ثم التعليم بتلقين الكلمات، والواضح أن كثيراً من أبنائنا في الصفوف الابتدائية والإعدادية لا يجيدون الكتابة والاستهجاء كما تعلمناها نحن في الماضي بالطرق التقليدية التي رسخت لغتنا في أذهاننا ونحن في الصغر، وان يكون لأجهزتنا الحكومية وظائف مدققين لغويين يقومون بتصحيح اللغة العربية السليمة في مكاتباتهم ومراسلاتهم للحفاظ على سلامة اللغة، وان يتعامل الآباء وأولياء الأمور مع أبنائهم باللغة العربية والحرص على تعلمها وعدم تشجيع الأبناء على التحدث باللغات الأجنبية التي أبعدتهم عن دينهم كثيراً، كما أن انتشار مراكز تحفيظ القرآن الكريم يساهم في حماية لغتنا الجميلة من الخطر الداهم عليها بل يعتبر حفظ القرآن أو أجزاء منه هو خط الدفاع الأول لحماية مفردات لغتنا وتطويرها، كما أثبتت التجارب أن من يحفظ القرآن يتفوق في دروسه وتعليمه، لأن تعلم لغة الأم للطالب يزيد من ثقافته العامة والعلمية ويساهم في تفوقه العلمي. كسرة أخيرة: من هنا أدعو جميع الخبراء التربويين ومعلمي المدارس وهم خط الدفاع الأول لحماية لغتنا العربية الجميلة والاهتمام بتعليمها باعتبارها لغتنا الأم وهي لغة القرآن المعجزة الإلهية التي رفعنا الله بها فوق الأمم وجعلنا أمة وسطا لنكون شهداء على الناس، وإقامة الفعاليات والنشاطات الثقافية التي تصقل أبناءنا في إجادة لغتهم العربية ويعتزون بها بين شعوب الأمم الأخرى، لقد قامت الدولة بواجبها نحو حماية اللغة وتبقى دورنا كتربويين ومعلمين بالمساهمة في أن تكون لغتنا الجميلة هي المحببة لأبنائنا باتباع مناهج وأساليب تعليمية متطورة وجذابة تساهم في تطوير مناهج تعليم اللغة العربية في مؤسساتنا التعليمية. [email protected]