19 سبتمبر 2025
تسجيلفيما تمضي قطر قدما في وضع المعالجات الناجعة لتداعيات الأزمة الخليجية بخطوات واثقة وثابتة؛ تُنبئ تداعيات الأزمة على الملفات الإقليمية الساخنة بخسائر سياسية كبيرة وتصيب الجسم العربي بوهن على وهن. ومن المعلوم أن قضايا التنمية والاقتصاد على الصعيد الإقليمي قد تراجع الاهتمام بها، بل أغلقت ملفاتها تماما وأصبحت ترفا في خضم التعقيدات السياسية والعسكرية في ملفي الأزمتين السورية واليمنية. وتفقد الدول الرئيسية في التحالف ضد قطر زمام المبادرة في شأن الأزمتين في سوريا واليمن، وذلك من ناحيتين: الأولى انتفاء المشروعية السياسية والأخلاقية بسبب تدهور مستوى الثقة الناتج عن المشاركة في حصار ظالم على دولة مثل قطر تحت دعاوى ومزاعم واهية تثبت الوقائع مع مرور الوقت ضعف حجيتها. أما الناحية الثانية، فتتمثل في انشغال هذه الدول وتشتت جهودها وطاقاتها في معركة خاسرة. إن الخلافات والأجندات المستترة لدول التحالف قنابل موقوتة، إذ تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى، فللإمارات في اليمن شيء في نفس يعقوب، فليست أهداف الإمارات والسعودية متفقة بل إنها متناقضة. من ناحية أخرى تتعاطى مصر مع ملف الأزمة السورية بنظرة مختلفة تماما عن النظرة السعودية فضلا عن أن القاهرة لم تشارك في عاصفة الحزم في اليمن ولم تلتق مع السعودية في رؤيتها. فإن كان العداء لقطر قد جمع هذه الدول في ذات الوقت الذي لا شيء يجمع بينها في الملفات الرئيسية بالمنطقة فإن ذلك يبدو أنه يتهاوى بسبب الصمود غير المتوقع الذي أظهرته قطر، فضلا عن معارضة الدول الرئيسية في العالم للحصار على قطر. لعل نقطة الضعف الأساسية لدى دول التحالف أنها عوضا عن القيام بأدوار إيجابية قامت بدور سلبي وهو السعي لمنع قطر من القيام بدور ريادي إقليميا ودوليا وهو ما يسوء تلك الدول التي تراجعت مكانتها الإقليمية كثيرا. نزوع قطر إلى ممارسة استقلاليتها أمر غير مسموح به بالإضافة إلى محاولة إسكات إعلامها الحر المتمثل في قناة الجزيرة. كما شكلت المؤتمرات والمبادرات القطرية بشأن العديد من قضايا المنطقة التي نتج عنها عصف ذهني لخيرة العقول في المنطقة، مصدر إزعاج كبير لتلك الدول العاجزة عن المبادرة. والخلاصة أن الذي يضئ الشموع لا يتساوى مع من يسعى لإطفاء هذه الشموع. الحيوية التي تتمتع بها القيادة في قطر تؤكد نهجا جديدا غير كلاسيكي في الخليج وهو سر التفوق القطري وربما سر الغيرة السلبية التي تتلبس شقيقاتها الخليجيات. ولعل مصادقة مجلس الوزراء القطري الأسبوع الماضي على مشروع قانون بطاقة الإقامة الدائمة لغير القطريين مثّل قفزة تشريعية ستعزز من مكانة قطر في مجال حقوق الإنسان. وجاء صدور هذا القانون في ظل متاعب كبيرة يتعرض لها مقيمون في دول مجاورة، وما تبع ذلك من فرض رسوم جديدة استهدفت إقامات ذوي العمالة الأجنبية، الأمر الذي ترتب عليه مغادرة الآلاف من الأسر. ويمنح القانون القطري حاملي الإقامة الدائمة عددا من الامتيازات؛ فسيعاملون معاملة القطريين في مجالات التعليم والرعاية الصحية، كما يمنحون الأولوية في التعيين بعد القطريين في الوظائف العامة العسكرية والمدنية، كما تمكن البطاقة الدائمة حاملها من التملك العقاري، وممارسة بعض الأنشطة التجارية من دون الحاجة لشريك قطري. لن تخرج قطر خاسرة من الأزمة الخليجية بل ستخرج أكثر قوة ودِربة، وإنما الخاسر الأكبر هو الدول المتحالفة وقضايا المنطقة ومنها القضيتان السورية واليمنية، وستتحمل الدول المتحالفة مسؤولية انهيار وتداعي البيت العربي وارتكابها أخطاء إستراتيجية.