19 سبتمبر 2025
تسجيلكلف رئيس الجمهورية التونسية السيد الباجي قائد السبسي يوم الأربعاء 3 أغسطس الجاري، وزير التنمية المحلية السابق، السيد يوسف الشاهد برئاسة حكومة الوحدة الوطنية. واعتبر الشاهد في مؤتمر صحفي له، أنه «سينطلق حالًا في مشاورات مع المنظمات والأحزاب لتشكيل الحكومة، التي ستكون حكومة شباب وستكون سياسية وحكومة كفاءات، وستصارح الشعب التونسي منذ البداية بحقيقة الأوضاع». والسيد يوسف الشاهد هو من مواليد 18 سبتمبر 1975 في تونس، متزوج وله ابنة، هو أستاذ جامعي وخبير دولي في السياسات الفلاحية، تحصل على الدكتوراه في العلوم الفلاحية، من المعهد الوطني الفلاحي بباريس في 2003. وفي يناير 2016، دعي الشاهد الذي يوصف بـ«التكنوقراطي» إلى إنشاء وزارة الشؤون المحلية، في مهمة لوضع الإطار التشريعي والقانوني والتنفيذي لتفعيل اللامركزية، كأحد الأهداف الأساسية لدستور «الجمهورية الثانية»، وقام بتفعيل مشاريع مهمة أبرزها مجلة الجماعات المحلية وتعميم النظام البلدي والقانون الانتخابي. وكانت المسيرة السياسية ليوسف الشاهد قد بدأت بعد الثورة التونسية ضد نظام بن علي، حيث كان من مؤسسي الحزب الجمهوري في 2012 كعضو في المكتب السياسي والهيئة السياسية للحزب، قبل أن ينضم في 2013 إلى حركة «نداء تونس» ليكون عضوًا للمكتب التنفيذي ومكلفًا بالبرنامج السياسي لحملة الانتخابات الرئاسية 2014. ويلمس المراقب المتتبع لردود الأفعال الصادرة عن الفعاليات السياسية التونسية بعد اقتراح الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، السياسي يوسف الشاهد رئيسًا للحكومة، بوضوح بروز اتجاهين داخل المشهد السياسي التونسي، الأول، و تمثله أحزاب الائتلاف الرباعي الحاكم، التي أعلنت تأييدها للشاهد، ورحبت باقتراح رئيس الجمهورية، الذي قد يفتح الباب أمام الكفاءات الشبابية. والثاني، وتمثله أحزاب المعارضة على اختلاف انتماءاتها الفكرية، ولاسيَّما الجبهة الشعبية ذات الطابع اليساري والقومي، والتي لها 15 نائبا في البرلمان، فقد رفضت بشكل قاطع تكليف الرجل. وأوضح قياديون في الجبهة، خلال تصريحات مختلفة، أن «المجلس المركزي للجبهة يعتبر أن تكليف الشاهد يمثل تحويلًا لمؤسسات الدولة إلى مجلس عائلي». ومنذ الكشف عن اسم يوسف الشاهد انطلقت منذ يومين سلسلة من الانتقادات لخيار رئيس الجمهورية ليوسف الشاهد بحجة أنه من أصهاره، وصلة القرابة بين الشاهد والسبسي، حتى وإن كانت هذه القرابة بعيدة نسبيًا لكنها موجودة، فجدة الشاهد لها علاقة بعائلة زوجة السبسي وكذلك بمستشاره، سليم العزابي. ولم تسلم سلطة رئيس الجمهورية من النقد والاتهام بمحاولة توريث ابنه لدواليب السلطة لتنطلق معها حملة واسعة النطاق تحت عنوان «ولدك في دارك» وقد رفع هذا الشعار في مداخلة لممثل الجبهة الشعبية بالمجلس عمار عمروسية في إشارة واضحة إلى الرفض المطلق لتداخل السياسي بالعائلي. وفي موقف لا يخلو من السخرية، دعا أمين عام «حراك تونس الإرادة»، عدنان منصر، السبسي إلى «تعيين بقية العائلة في مناصب وزارية أخرى». وفيما كانت الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، والنقابات العمالية، وعموم الشعب التونسي، ينتظر أن يرشح رئيس الجمهورية الشخصية الأكثر قدرة وكفاءة، وفق الفصل 89 من الدستور، لقيادة المرحلة الصعبة التي تمر بها تونس، بسبب حزمة الأزمات التي تعاني منها البلاد، فإذا برئيس الدولة يكلف يوسف الشاهد، حديث العهد بالسياسة، ومن دون تاريخ سياسي أو نضالي يذكر للرجل، ما عدا ترؤسه للجنة الـ13 التي كلّفها وقتها رئيس الجمهورية بمهمة إنقاذ حزبه وإنهاء مرحلة «التطاحن» داخل حزب نداء تونس، ونزع فتيل أزمة الشقوق وقتها والتي كادت تعصف بالحزب وتجاوزها بصعوبة، يدخل يوسف الشاهد قصر الحكومة بالقصبة كممثل لحزب الأغلبية وكرئيس حكومة سياسي. أما لماذا تم اختيار يوسف الشاهد من قبل رئيس الجمهورية؟ فيمكن حصر هذا الاختيار بالأمور التالية: أولًا: إن اختيار رئس الجمهورية ليوسف الشاهد، الرجل الحديث العهد بالسياسة، ليهزم بذلك شخصيات وطنية تونسية ذات كفاءات مشهودة لها، يعود إلى أن الشاهد تتوافر فيه الشروط التالية: كونه شخصية هادئة ومسالمة وغير «مؤدلجة»، شخصية إدارية وليس لها توجهات وخلفيات فكرية وأيديولوجية، شخصية قريبة من رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، ثم تأتي بقية «الخصال» كأن يكون شخصية بالضرورة منسجمة مع الجناح النافذ اليوم في حزب نداء تونس والمقصود جناح نجل رئيس الجمهورية حافظ قائد السبسي، وكذلك شخصية لها قدرة على التفاعل الإيجابي مع القوى الحزبية والوطنية التي عملت على الإطاحة بحكومة الحبيب الصيد، خاصة حركة النهضة التي تنتظر مقابلا مرضيا لقاء تأييدها اللامتناهي لرئيس الجمهورية، واتحاد الشغل الذي لن يقبل بشخصية «لا تتفاعل إيجابيا» مع المنظمة الشغيلة. فاسم يوسف الشاهد لم يمرّ دون موافقة من حركة النهضة، وكذلك دون موافقة القوة الاجتماعية الأولى في البلاد الاتحاد العام التونسي للشغل، إذ لا النهضة ولا المنظمة النقابية تريد أن تجد نفسها في مواجهته شخصية صدامية. وكل ذلك يدعم موقع الاتحاد كقوّة مؤثرة سياسيا، ويدعم حركة النهضة التي بدأت في كشف نواياها وقوّتها ووضع قواعد للعبة كما أرادها منذ البداية رئيسها راشد الغنوشي. ثانيا: إن يوسف الشاهد، شخصية طيعة، تلتزم بتطبيق «تعليمات» رئيس الجمهورية، ووصفات وشروط المؤسسات الدولية المانحة (لاسيَّما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) والتي ستكون لها كلمتها في الهندسة السياسية، الاقتصادية والنقدية لتونس في السنوات القليلة المقبلة..فيوسف الشاهد تكنوقراطي مثله في ذلك مثل رئيس الحكومة السابق مهدي جمعة، وليبرالي التوجه، ومستعد لتمرير الإصلاحات الهيكلية المؤلمة التي ينادي بها صندوق النقد الدولي، وموافقة عليها أحزاب الائتلاف الرباعي الحاكم، الذي يمثل الطبقة السياسية الحاكمة، والتي لا مصلحة لها في أن يكون رئيس الحكومة شخصية وطنية مستقلة وقوّية ولها بعد سياسي وبعد اقتصادي، وعلاقات جيّدة مع مختلف القوى الحزبية في الداخل ومع الخارج إقليميا ودوليا، مع خبرة مطلوبة في تسيير جهاز الدولة، وقادرة على تنفيذ برامج الإنقاذ المتاحة حسب إمكانات البلاد، لاسيَّما في مجال محاربة الفساد والإرهاب والبطالة، وجلب الاستثمارات، وتحقيق مشاريع التنمية في الولايات المحرومة تاريخيا من التنمية، والفقيرة. ثالثا: إن شخصية يوسف الشاهد تستجيب للمواصفات التي يريدها الشيخان الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي، بوصفهما المتحكمين في إدارة الشأن العام بأزماته وتفاعلاته وخلافاته وخياراته، بعيدا عن المؤسسات الدستورية في أغلب الأحيان. فالسياسة في تونس الديمقراطية الناشئة، لم تصبح منتجا مجتمعيًا، بل إن القرار السياسي بات من اختصاص الشيخين الحليفين لعدّة اعتبارات لعل أهمها غياب قوى سياسية وحزبية تمتلك من النفوذ والأداء ما يجعلها قوى ضغط إيجابي في ظل مشهد سياسي فسيفسائي متذرر. وتكمن المفارقة في تونس، أن الصلاحيات الدستورية لم تعد المرجعية الوحيدة لصناعة القرار السياسي المشروع، بقدر ما أصبحت مرجعية الأطر غير الرسمية والموازية مرجعية للمشروعية! ففي إطار هذه الأطر الموازية تُحاك القرارات ثم توضع لها المخرجات الدستورية والقانونية وهو ما يعني ضمنيا أن حكومة الوحدة المرتقبة لن تنال ثقة البرلمان الذي تحول إلى خارطة حزبية ما لم تحظ برضى مسبق من قبل الشيخين. إنها مسألة شخصنة السلطة، التي تتجاوز كلا من الشيخين الحاكمين الفعليين في تونس لتستمد روافدها من حالة فراغ سياسي خطير كما تستمد روافدها من طبيعة كياني «النداء» و«النهضة» اللذين يرتهنان إلى سطوة كاريزما الشيخين المؤسسين وما يمتلكانه من هالة روحية وسياسية على الحزبين.