15 سبتمبر 2025

تسجيل

العملات الرقمية.. حل لارتفاع التضخم

05 يوليو 2020

** الشركات التي تتبنى الثورة الرقمية ستزدهر تسببت جائحة "كوفيد - 19" في إلحاق خسائر فادحة بالأرواح، لتذكرنا بهشاشة الجنس البشري على كوكب الأرض، كما أظهرت لنا ضعف أنظمتنا الاقتصادية، وفي الواقع، فإن الأزمة الحالية تلقي بظلالها على الاستقرار المالي للعديد من الدول والمجتمعات. ففي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، يوجد أكثر من 21 مليون عاطل عن العمل يشكلون 13٪ من إجمالي القوى العاملة هناك، بينما كان معدل البطالة المسجل قبل الأزمة يبلغ 3.5% فقط خلال شهر يناير 2020. ويلوح اتجاه مماثل في الاقتصادات الرئيسية الأخرى، مثل اقتصاد منطقة اليورو. ضخ الدولارات وأزمة التضخم اعتباراً من 10 يونيو الماضي، كان يتم تداول أوراق لمجلس الاحتياطي الفيدرالي بقيمة 1.91 تريليون دولار. ولا يزال هذا المبلغ يعكس القيمة الإجمالية للدولارات المتداولة قبل الجائحة. وكانت حزمة التحفيز الاقتصادي لمواجهة أزمة "كوفيد - 19" الصادرة عن حكومة الولايات المتحدة ترمي إلى ضخ 2 تريليون دولار من خلال مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى مساعدة الشركات الصغيرة بمبلغ 350 مليار دولار، بالإضافة إلى مساعدة العائلات الأمريكية، من خلال ما يعرف باسم "أموال المروحيات" أو الشيكات التي تُرسل مباشرة إلى صناديق البريد الوارد الخاصة بهم، إلى جانب مساعدة القطاع الصحي، وخصوصا المستشفيات، والشركات الكبرى مثل شركة بوينج، التي تتلقى 500 مليار دولار أمريكي، بالإضافة إلى ذلك، أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي عن التدخل عبر تقديم مساعدات وصلت قيمتها إلى 4 تريليونات دولار لدعم سوق الأسهم. وفي ظل تطبيق هذه الإجراءات، حصل الاقتصاد الأمريكي على سيولة بقيمة 6 تريليونات دولار، ولتوضيح الحجم الضخم للأموال التي تعهدت الحكومة الأمريكية بتقديمها للمساعدة في مواجهة أزمة "كوفيد - 19"، يجب الإشارة إلى أن الإدارة الأمريكية نجحت في تخفيف آثار الأزمة المالية العالمية عام 2008 من خلال حزمة من الإجراءات بلغت قيمتها الإجمالية 800 مليار دولار أمريكي فقط. الدولار عملة متضخمة ربما يكون العنوان المذكور أعلاه ليس جديداً، فمنذ توقف العمل باتفاقية بريتون وودز في عام 1971، لم تعد العملات مرتبطة بأي مخزون آمن للقيمة، مثل الذهب الذي كان يمثل هذا المخزون على مرّ التاريخ. والأكثر من ذلك هو أن العملات النقدية الإلزامية في العالم أظهرت طبيعة تضخمية على مرّ التاريخ، وسوف تتسارع هذه العملية، بالنظر إلى كمية العملات النقدية الإلزامية التي ستُضخ في الاقتصادات لدعم الناس والأعمال التجارية خلال الجائحة الحالية. ومن المتوقع ضخ أكثر من تريليون يورو في منطقة اليورو، وربما أكثر من ذلك، بالإضافة إلى مبلغ الستة تريليونات دولار سالفة الذكر. البيتكوين والانكماش الاقتصادي الأصل المنكمش هو أصل يقل عرضه عن معدل التضخم، وتعتبر عملات البيتكوين أكثر من مجرد أصل منكمش، وفي الواقع، يقتصر العدد الإجمالي لعملات البيتكوين التي يمكن إتاحتها على 21 مليون عملة، بمقتضى بروتوكول البيتكوين نفسه. علاوة على ذلك، فقد جرى تدمير عدد من عملات البيتكوين افتراضيا بالفعل، في إطار الجهود المبذولة للتقيد بهذا الحد، مثل عملات البيتكوين الموجودة في سلسلة التوريد، والتي لا يمكن الوصول إليها لعدة أسباب، مثل فقد المالكين لمفتاح التشفير المطلوب لنقل تلك الأموال، حيث وصل عدد عملات البيتكوين المفقودة إلى 3 ملايين عملة تقريباً. ويساهم ذلك الأمر في وصول العرض النظري لعملات البيتكوين إلى حوالي 18 مليون عملة رقمية، ويُعدُ معدل التضاعف الحالي لعملة البيتكوين المفقودة أقل بكثير من معدل التضخم الذي حدده مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ويمكن أن تزيد الفجوة بين هذين المعدلين فقط، وعلى عكس العملات النقدية الإلزامية، لا يمكن لأحد أن يقرر أو يفرض زيادة في كمية عملات البيتكوين المتاحة. ويفسر هذا الأمر سبب تزايد اهتمام الصناديق التي تسعى إلى التحوط ضد مخاطر التضخم بالعملات الرقمية بشكل عام، وعملية البيتكوين على وجه الخصوص. النهج المستقبلي اجتاح فيروس "كوفيد - 19" العالم في وقتٍ لم تكن فيه معظم الدول مهيأة لمكافحته في الغالب، وأيا كان شكل العالم عندما تنتهي هذه الجائحة التي من المتوقع أن تنتهي حتما في يومٍ من الأيام، فإن الأوضاع ستكون مختلفةً تماما عما كانت عليه من قبل، فسوف تقضي القوى العاملة وقتا أقل في المكتب، وستتزايد أعداد العاملين عن بُعد، وستُغير تدابير التباعد الاجتماعي سلوكيات العملاء وعادات الإنفاق. وستزدهر الشركات التي تتبنى الثورة الرقمية، بينما ستختفي الشركات الأخرى ببطء أو ستفقد أهميتها، وسوف يرتفع معدل التضخم، وهو ما سيدفع المستثمرين أفراداً كانوا أم مؤسسات نحو الملاذات الآمنة، ومن بينها الذهب بالتأكيد، ولكن العملات الرقمية المشفرة يمكن أن تصبح منافساً للذهب في المستقبل القريب، وستعزز البلدان التي تعتمد على صادرات المواد الخام، مثل النفط والغاز، من جهودها الرامية لتنويع مواردها الاقتصادية، وفي هذا السياق، يتمثل الرهان الآمن في الاستثمار في التعليم، لكل من الحكومات والمواطنين العاديين. وستكون القوى العاملة المتعلمة وحدها هي القادرة على اغتنام الفرص التي يتيحها الاقتصاد الرقمي، وستكون هي فقط القادرة على تحفيز الابتكار وتنويع الاقتصاد، وفي هذا السياق، تحظى دولة قطر بقصب السبق والريادة، بفضل استثماراتها الضخمة في التعليم على مدى السنوات العشرين الماضية. وتقوم جامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، على وجه الخصوص، بتأهيل الجيل المقبل من القادة، وصفوة المجتمع، ورواد الأعمال في المستقبل. فعلى سبيل المثال، يتناول برنامج ماجستير العلوم في الأمن السيبراني، الذي تقدمه كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة، أسس العملات الرقمية المشفرة، بينما يؤهل برنامج الدكتوراه في علوم الحاسوب وهندسته صناع القرار رفيعي المستوى ويزودهم بمعرفة وخبرات متميزة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، لكي يصبحوا القيادات التي ستقود رقمنة الاقتصاد القطري في المستقبل، ورغم أن السبب الأصلي لانتشار فيروس "كوفيد - 19" لم يتأكد بعد بشكلٍ قاطعٍ تماماً مثل موعد انتهائه، فإن طريقة تفاعلنا مع هذه الجائحة وتخطيطنا للمستقبل لا يزالان في أيدينا، وسوف يشكّل ذلك مستقبلنا ومستقبل أوطاننا. ** أستاذ متفرغ في الأمن السيبراني في جامعة حمد بن خليفة