18 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); الأحداث الأمنية التي شهدتها مصر في الآونة الأخيرة لم تكن مفاجئة لأحد. فالكل كان ينتظر أن يؤدي الأداء القمعي للنظام الانقلابي إلى ردة فعل منطقية لا يملك أحد ضمان سلميتها، بل إن معظم التحليلات تشير إلى أن مصر قد تكون دخلت في نفق مجهول من الإرهاب والإرهاب المضاد، يذكّر بالمرحلة الدموية التي شهدتها مطلع تسعينات القرن الماضي. ردة فعل النظام الانقلابي على العمليات الأمنية الأخيرة -وكما كانت متوقعة- عِوض أن تبحث في أسباب التفجيرات والحوادث الأمنية ومحاولة معالجتها، فإنها نحت باتجاه مزيد من القمع والقتل والاعتقال، الأمر الذي سيؤدي حكماً لمزيد من ردات الفعل ومزيد من المواجهة الدموية. ومن الواضح أن نسبة الذكاء التي يتمتع بها النظام الانقلابي لم تسمح له بالاتعاظ من تجارب أخرى مرت ببعض الأقطار العربية كشفت عن فشل الخيارات الأمنية، ونجاح خيارات المصالحة والوئام والحوار ومشاركة الجميع.منذ وصول النظام الانقلابي إلى السلطة قبل عامين، شهدت مصر العديد من الحوادث الأمنية والتفجيرات، لكن التفجير الأخير الذي استهدف النائب العام ميزه عما سبقه أن تنفيذه تطلب عملاً محترفاً، كالرصد والمراقبة المسبقة، وطبيعة العبوة المتفجرة، وانسحاب الفاعلين دون انكشافهم رغم الإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذها النظام الانقلابي حول رجاله، مما ينبئ بأن الأحداث الأمنية أخذت منحى جديداً من العمل المنظم بعيداً عن الفردية والعشوائية. أما عن الجهة التي قامت بتنفيذ التفجيرات والاغتيالات في مصر فجميع الاحتمالات واردة. منها أن يكون النظام نفسه يريد إعادة ترتيب لأوراقه الداخلية ولمراكز نفوذه، وهو أمر سبق القيام به في الأشهر الماضية بطرق مختلفة، كإقالة وزراء وإعادة تشكيل ضباط واستبعاد شخصيات والتلويح بالملاحقة القضائية لآخرين كانوا أدوات بيد النظام. فربما يكون الاغتيال وسيلة للتخلص من هذه الأدوات، وهو أمر ليس مستبعداً على نظام قتل آلاف المصريين ليصل إلى السلطة، فمن من السهل عليه أن يقتل رجلاً من رجاله، أو أن يقوم بافتعال تفجير هنا أو مواجهة مسلحة هناك لتحقيق مصلحته. وهو بهذا الأداء يكون أصاب أكثر من عصفور بحجر واحد. فهو إضافة إلى تخلصه ممن أراد، فإنه بذلك منح نفسه مبرراً لتنفيذ المزيد من الإجراءات القمعية تحت عنوان مواجهة الأخطار التي تحدق بالشعب المصري، وهو ظهر أمام العالم في صورة المهدَد من "الإرهابيين"، مما قد يعفيه من الانتقادات الدولية الكثيرة التي لاحقته منذ وصوله إلى الحكم، وتمنحه الإذن لمواصلة نهجه القمعي تحت راية القضاء على الإرهاب. وهو ما حصل فعلاً حين قتلت الأجهزة الأمنية بدم بارد عدد من قيادات الإخوان المسلمين بمنطقة 6 أكتوبر بعدما قامت باعتقالهم دون أن نسمع صوتاً يدين أو يستنكر هذه الجريمة. من الاحتمالات التي يجب عدم إهمالها، هي أن يكون من يقوم بتنفيذ التفجيرات ويفتعل الأحداث الأمنية في مصر طرف ثالث لا يريد للأمور أن تستقر، ويعترض طريق أي محاولة للمصالحة الداخلية، ويسعى لأن يزيد النظام القمعي من قمعه ودمويته، عسى أن يؤدي ذلك إلى دفع المتضررين من هذا القمع لاسيَّما رافعي لواء "الإسلام المعتدل" لانتهاج نهج عنفي لا ينتمي إلى أدبياتهم ومنهجهم وتاريخهم ومدرستهم.من الجهات التي يحتمل أن تكون مسؤولة عن الأحداث الأمنية التي تشهدها مصر هي الجماعات المسلحة التي تخوض حرباً شرسة مع النظام في صحراء سيناء، بعدما قرر الأخير أن استقرار الأمور لا يكون إلا بالخيار العسكري والأمني، عوض أن يكون بالاهتمام بمنطقة سيناء ورفع الظلم اللاحق بها. فأدركت الجماعات المسلحة أن إيلام النظام لا يكون بمواجهته في سيناء فقط، بل يجب أن تنتقل المعركة إلى أرض النظام في العاصمة واستهداف رجاله وأركانه حتى تكون ضرباتها موجعة.يبقى احتمال لا يجب إغفاله، وهو أن يكون الذين يقفون وراء الأحداث الأمنية هم إسلاميون ملّوا من شعار "سلميتنا أقوى من الرصاص" الذي ترفع لواءه جماعة الإخوان المسلمين، فأرادوا الانتقام لدماء آلاف الشهداء وعشرات آلاف المعتقلين الذين قام النظام بقتلهم وتعذيبهم واعتقالهم.لا أمل بحكمة النظام الانقلابي ولا وعيه، فالأداء الفاشي الذي قدمه خلال العامين المنصرمين كشف عن مستوى عال من الغباء والذهنية العسكرية الدموية. لكن الأمل يبقى معقوداً على وعي الدول التي دعمت الانقلاب وساندته وموّلته. عليها أن تدرك أن الخيار الأمني لن يفضي لنتيجة، وأن الاستمرار في قمع القوى الحية واغتيال كوادرها والتضييق عليها لن يرسي الأمن بل سيزيد من انفلات الشارع، وسيدفع البلاد إلى مسار مجهول سيحرق في طريقه الأخضر واليابس، لن تكون هذه الدول بمنأى عن لهيبه.