13 سبتمبر 2025

تسجيل

صانعاتُ المستقبل.. (نساء) الثورة السورية

05 يوليو 2015

بشيءٍ من البحث والمتابعة، سيكون مفاجئاً للكثير من السوريين أنفسهم حجمُ العمل الذي تقومُ به المرأة السورية لصناعة مستقبل بلادهم. وإذ تكثرُ الأمثلة في هذا المجال بشكلٍ لايمكن حصرهُ، ثمة نماذجُ لأسماء ولمشاريع استرعت اهتمام المرء خلال الأسبوع الماضي أثناء العمل على أحد المشاريع، وتستحقُ أن يَعرف عنها السوريون أكثر.الدكتورة هزار مهايني، مقيمةٌ في كندا منذ عقدين ونصف من الزمن، أسست في مدينة الريحانية، في تركيا، مدرسة السلام منذ عامين لتستوعب 300 طفلة وطفل من أبناء اللاجئين السوريين القاطنين خارج مخيمات اللجوء. ثمة عبارة تعريفية صغيرة على صفحة المدرسة تقول "هذا المشروع هديةُ متواضعة من الجالية السورية في كندا لإخوانهم السوريين في تركيا ولإرجاع الحق الطبيعي بالتعليم والأمل والمستقبل لأبنائنا".يَدرس في هذه "الهدية المتواضعة" الآن قرابة ألفي طفلة وطفل وشابة وشاب من السوريين، تتم خدمتهم على خمس نوبات في اليوم، تبقى فيها المدرسة مفتوحةً لأكثر من 15 ساعة. التعليم في المدرسة مجانيٌ بالكامل، ويقوم بمهماته طاقمٌ يضم أكثر من 70 معلماً وإدارياً وعاملاً في مختلف المجالات. وإضافةً إلى تعليم المواد الدراسية، تُقدم المدرسة دورات حاسوب وتعليم لغات وتعليم مهني ونشاطات رياضية وترفيهية، فضلاً عن الرعاية الطبية وتأمين المواصلات، مع وجود فريق للدعم النفسي وتأمين الدعم الاستشاري لمساعدة الطلبة على الحصول على القبول والمنح الدراسة في الجامعات. كل هذا مع توفير قاعة حاسوب حديثة ومخبر للعلوم ومكتبة ومطبخ و.. حديقة حيوانات صغيرة!..هذه (معجزةٌ بشريةٌ صغيرة) في حقيقة الأمر.. وهي في نهاية المطاف حصيلةُ دعم وعطاء سوريين يقومون بمتابعة شؤون المدرسة ورعايتها لتستمر في القيام بمهمتها على الوجه الأكمل عن طريق مؤسسةٍ مسجلة في كندا باسم Syrian Kids Foundation. لكن (دينامو) المشروع، كما يقولون، هو الدكتورة مهايني التي يسكن قلبها وعقلها في المدرسة حتى حين تكون جسدياً في مونتريال. بل إن هذا النموذج المتميز للمرأة السورية لا تكتفي بذلك، فهي، حالَ وجودها في كندا، تبقى متابعةً للمدرسة من لحظة افتتاحها إلى وقت الإغلاق عن طريق خمسة حسابات (سكايب) تبقى مفتوحةً تتواصل من خلالها مع إدارة المدرسة طوال الليل، بسبب فارق التوقيت بين كندا وتركيا.رغم هذا، تضحك الدكتورة في لقائها مع مراسل قناة NBC الأمريكية وترفض توصيفهُ حين ذكرَ في التقرير بأنها (امرأةٌ غيرُ عادية). أذيع التقرير في واحدٍ من أشهر البرامج المسائية الإخبارية وأكثرها متابعةً في أمريكا NBC Nightly News، حيث لفتَ المشروعُ انتباه القناة فأرسلت طاقمها يتابع الدكتورة وعملها على أرض الواقع.. "تجد المهايني وقتاً للحديث مع كل طالب وطالبة بشكلٍ منفرد" يقول المذيع والشاشة تعرض مشاهد من المدرسة، ثم يتابع قائلاً: "لكنها لاتكتفي بهذا، بل تجد وقتاً لزيارات أماكن إقامة الطلبة بعد يوم عملٍ طويل لمتابعة أحوالهم وحث الأهل على الاستمرار في إرسال أبنائهم إلى المدرسة والاهتمام بالتعليم".هذا الجهدُ الاستثنائي دفع عدداً من الجهات للاهتمام بالمدرسة، كان منها (مؤسسة كَرَم) KARAM Foundation التي تديرها امرأةٌ سورية أخرى هي لينا سيرجي عطار. لينا، المؤسس الشريك للمؤسسة المذكورة التي تم إنشاؤها عام 2007م في مدينة شيكاغو الأمريكية، حاصلةٌ على الماجستير من جامعة MIT في الفنون والتصميم وتاريخ الهندسة المعمارية، وهي إلى نشاطها، المُحترف والمتنوع، في المؤسسة، تكتب المقالات عن سوريا وقضيتها في صحف مثل النيويورك تايمز ومجلات مثل السياسة الخارجية Foreign Policy الأمريكية، فضلاً عن ظهورها المتكرر للحديث عن سوريا على أشهر قنوات التلفزة الأمريكية والعالمية.لكن شغف لينا الأكبر يكمن في تقديم الخدمات الجديدة والمتميزة للأطفال السوريين اللاجئين عن طريق المؤسسة. وتساعدها في ذلك كِندة هبراوي الرسامة المعروفة عالمياً في مجال الخط العربي، حيث عملت في مشاريع مع مؤسسات عالمية مثل الأونروا واليونيسيف، ومَنَحتها الأمم المتحدة لقب (مُفكر ومُؤثر على المستوى العالمي) عام 2012، وهي التي ساهمت بشكلٍ رئيس في إنشاء (برنامج كَرَم الإبداعي التعليمي للأطفال السوريين المُهجرين).وفي هذا الإطار، تقوم لينا وكِندة، مع سوريات أخريات من مؤسسة كَرَم، باصطحاب فِرَق من أصحاب المهارات والاختصاصات من أمريكا وكندا ودول أخرى إلى مدرسة السلام، وغيرها من المشاريع، بشكلٍ متكرر. وتُقدم المؤسسة بواسطة هذه الفِرَق برامج تدريبية للطلبة السوريين في مختلف المجالات لتطوير مهاراتهم واستكشاف مواهبهم وفتح آفاق التخصصات والفنون والعلوم المتنوعة أمامهم.أما نوشا قبوات، ابنة الناشطة السورية المعروفة هند قبوات، فهي من أسس منظمة (أمل وسلام) التي تعملُ أيضاً مع الأطفال والطلبة السوريين في مواقع لجوء السوريين. ومثل والدتها، لاتكتفي نوشا بعملها وإنجازها الأكاديمي، فهي مديرة برنامج سوريا في مركز الدبلوماسية وحل النزاعات والأديان العالمية في جامعة جورج مايسون العريقة، لكن نشاطها يمتد إلى مجال التعليم، حيث ترعى مدرسةً للاجئين في الأردن، فضلاً عن تقديم دورات تدريبية في قضايا حل النزاعات والمفاوضات والعدالة الانتقالية وبناء المجتمع المدني.ثمة نماذج أخرى كثيرة للمرأة السورية المخضرمة والشابة، صانعة المستقبل، يصعبُ حصرها في هذا المقام.. لكن الأمثلة المذكورة أعلاهُ تعيد التنبيه إلى حقيقةٍ واضحة: أن المرأة السورية حاضرةٌ، وبقوة، في صناعة حاضر سوريا ومستقبلها، وأنها تتحرك في مجالات إستراتيجية وحساسة بشكلٍ فعالٍ ومُبدع، بعيداً عن الصور النمطية والتقليدية المُتداولة في هذا المجال. بل إن بحثاً أكبر في تفاصيل الظاهرة قد يبين أن المبادرات التي تقوم بها تلك المرأة السورية، وهي أكثرُ بكثير من مبادرات الرجال، تمثل حالياً الحامل الرئيس الذي يساعد على تماسك واستمرار المجتمع السوري الضخم في الشتات، ويحفظ للثورة السورية بمعانيها الأصيلة، مقومات الثبات، ويزرع في أبنائها البذور المطلوبة لبناء سوريا الجديدة.