17 سبتمبر 2025
تسجيلاكتمل عقد المرشحين لرئاسة الجمهورية في تركيا مع إعلان رئيس الحكومة، زعيم حزب العدالة والتنمية، رجب طيب أردوغان ترشحه للرئاسة في الأول من شهر يوليو الجاري.ترشح أردوغان كان الأخير بعد ترشيح حزبي الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية لأكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامي، وترشيح صلاح الدين ديميرطاش عن حزب الشعوب الديمقراطية الكردي.بذلك تستقيم المعركة أكثر نحو أن تكون صراعا حقيقيا وليست مجرد استفتاء على الرئاسة يخرج منه أردوغان منتصرا. فأردوغان لا شك يحظى بتأييد صلب من حوالي 45 في المئة من الناخبين الأتراك في حال كان الانقسام التركي على غاربه. أي في حال كان لكل طرف سياسي فرصة إظهار حجمه مهما كان صغيرا. ولكن عندما يتعلق الأمر بخيار بين شخصين ولا مجال حتى لشخصية ثالثة فإن معيار الاختيار لدى الناخب يتغير في اتجاه إلزامي ولا يعود ممكنا القول أن أردوغان مثلا له 45 في المئة فيما خصومه مجتمعين لهم 55 في المئة.في الدورة الأولى التي ستجري في العاشر من أغسطس سيكون الصراع مفتوحا بين مجموعة من المرشحين الذين ستقبلهم اللجنة العليا للانتخابات لكن السابق سيكون بين الثلاثة الذين سبق وأشرنا إليهم: أردوغان، إحسان أوغلو، ديميرطاش. وفي حال لم يحصل أحد على الخمسين في المئة تجري الدورة الثانية بين المرشحين الأوليين في الدورة الأولى.أنها المرة الأولى التي تجري فيها الانتخابات من الشعب وهذا تحول مهم في النظام السياسي التركي.إذ أن كل الانتخابات منذ عهد أتاتورك وإعلان الجمهورية في العام 1923 كان البرلمان هو الذي ينتخب الرئيس. صحيح أن البرلمان هو عبارة عن نواب انتخبهم الشعب مباشرة وبالتالي هم يمثلون الجماهير. غير أن مجرد اقتصار انتخاب الرئيس على مجموع النواب المحدد العدد يجعل عوامل التأثير ممكنة بل سائدة على النواب في اتجاهات قد لا يكونون هم يرغبونها. هذا حصل تقريبا في جميع الانتخابات الرئاسية التركية حتى آخر انتخابات في العام 2007. وحتى لو كان هناك حزب واحد يمتلك الأكثرية المطلقة وقادر على أن يختار الشخصية التي يريد فإن التأثيرات الخارجية (من خارج البرلمان) تبقى قائمة. فالنظام السياسي التركي هو نظام برلماني تعددي وليس نظاما رئاسيا. وهذا كان يتيح للمؤسسة العسكرية أن تمارس دورا حاسما في اختيار الرئيس ليكون مواليا لها وأمينا على التراث العلماني والأتاتوركي. وإذا لم تنفع الضغوط العسكرية بالتي هي أحسن كان الانقلاب العسكري هو الفيصل الذي يحسم هوية رأس النظام بل شكل الحكومة والبرلمان فيعلق الدستور وتحل الأحزاب وتسجن الشخصيات السياسية وهكذا دواليك.نحن اليوم أمام مشهد مختلف على الساحة السياسية نجح فيه أردوغان وحزب العدالة والتنمية في تعديله جذريا. أولا من خلال قطع الطريق بنسبة عالية جدا تكاد تكون كاملة أمام احتمال عودة الانقلابات العسكرية. وهذا يرفع الضغوط العسكرية عن الطبقة السياسية حتى لو كان انتخاب الرئيس من قبل البرلمان.وثانيا كان التعديل الدستوري في العام 2007 في انتخاب الرئيس من قبل الشعب مباشرة بدلا من البرلمان وهنا ليس من قوة تستطيع أن تتحكم بميول خمسين مليون ناخب.وهذا تطور إيجابي جدا في الديمقراطيات بحيث تكون الكلمة الأخيرة في كل شيء للشعب وليس للغرف المغلقة وأجهزة الاستخبارات وقوة الدبابة والجزمة العسكرية والسفراء الأجانب والقناصل.إن أهم ما في الانتخابات الرئاسية التركية الحالية أنها تعيد الكلمة والصوت للشارع والإنسان العادي من قلب أكبر مدينة إلى أقصى قرية نائية على حدود القوقاز.وبمعزل عمن ينتصر فإنها مظهر ديمقراطي جدير بالتقدير.لكن مع ذلك فإن هذه التظاهرة مرشحة لخلخلة النظام البرلماني التعددي. إذ أن أردوغان صرح مرارا أنه سيمارس مسؤولياته كاملة ومنها ترؤس اجتماعات مجلس الوزراء حيث يعطيه الدستور الحق بذلك ولكن لم يمارسها أي من الرؤساء الأتراك وهذا قد يجعل من النظام التركي برأسين:رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.أو يحوّل رئيس الحكومة التركية إلى دمية بيد أردوغان في ظل الشخصية القوية لأردوغان ورغبته الدائمة في أن يكون الرجل الأول والأقوى في البلاد. وهذا يدفع لتوقع أن تكون رئاسة أردوغان في حال فوزه بداية الانتقال إلى نظام رئاسي وما يترتب على ذلك من متغيرات بنيوية على كل الأصعدة.