27 أكتوبر 2025
تسجيلالشورى كقيمة اجتماعية وسياسية وتربوية، بدءًا من الأسرة ومروراً بالمدرسة والجامعة والمعهد والنادي ومناهج التربية والتعليم والإعلام ومؤسسات ما يسمى اليوم بمؤسسات المجتمع المدني. وفي مقدمة ذلك كله المؤسسات السياسية تعتبر جماع الأمر كله، والميدان الأساسي لتداول الرأي والحوار وامتصاص أسباب العنف والتطرف والإرهاب، وليس ذلك فقط وإنما هي اللقاح الشافي من العنف والتطرف، المحقق للمناعة والوقاية، إن الشورى هي الرئة التي يتنفس فيها الفرد والمجتمع، فتحول دون سائر الاختناقات.وبمعنى آخر الشورى هي:- أبرز خصائص المجتمع المسلم وسمات حضارة الإسلام، يقول تعال واصفا مجتمع المسلمين (وأمرهم شورى بينهم) ويقول مخاطبا الرسول صلى الله عليه وسلم: "وشاورهم في الأمر" ليرسي القاعدة الأساس في مجتمع المسلمين على امتداد العصور.وإذا وضعنا هذا التنزيل (وأمرهم شورى بينهم)، (وشاورهم في الأمر) على خلوده وامتداده في إطار الزمن أي قبل خمسة عشر قرنا، حيث كان الحكام إما آلهة، أو متحدثين باسم الآلهة ومنفذين لإرادة الله، لا يمكن مخالفتهم ولا معارضتهم ولا التقدم بين أيديهم، لأن في ذلك معصية ومخالفة لأمر الله، فجاء الإسلام ليفك هذا الارتباط لأول مرة في تاريخ البشرية بين الحكم والألوهية، ويعيد الحاكم إلى وضعه البشري يجري عليه كل ما يجري على البشر من خطأ وصواب وحاجة إلى الآخرين، ووضع الأطر السياسي والظلم الاجتماعي، الذي يولد العنف والتطرف والإرهاب.فإذا وضعنا هذا التنزيل في إطاره التاريخي، أدركنا قيمة هذا العلاج المبكر لوقاية المجتمعات.- تُشعر الفرد بقيمته وكيانه وقيمة رأيه، وتشكيل شخصيته الاستقلالية، وتطمئنه على مستقبله، دون مفاجآت، لمشاركته باتخاذ القرار، وبذلك يصبح هذا القرار من اختياره، من بعض الوجوه، وليس مكرها عليه، لأنه ساهم بإنشائه.- فرصة لتداول الآراء، والمثاقفة والمحاورة والمناظرة والمجادلة، فالشورى تشكل مساحة سياسية واجتماعية هي أشبه ما تكون بالمناطق الحرة في الاقتصاد بعيداً عن أي رقابة أو قيد وفي هذا ما فيه من التدريب على الحرية، وفتح قنوات التواصل وتفريغ الاحتقان الساسي والفكري والاجتماعي.- فرصة للإفادة من كل الآراء في اتخاذ القرار، فهي اجتماع عقول في عقل، وانضمام تجارب إلى تجربة.- تقضي على الدكتاتورية وحكم الفرد، الذي يؤدي إلى الاستئثار بالرأي، والاستئثار بالحكم، والاستئثار بالمال، وتحقق استشعار المسؤولية والرقابة.- مجال وميدان لإنضاج الرأي بعد تقليبه على وجوهه جميعا، ليخرج بعد المشاورة دأبا نضيجا متزنا معتدلا بعيدا عن الإفراط والتفريط، ذلك أن التحاور والتلاقح الفكري وتبادل وجهات النظر ينتج رأيا معتدلا بعيدا عن التطرف والغلو.فالشورى ميدان لامتصاص كل أشكال التمرد والعصيان والعنف والتطرف، وتحريك للآراء، وترويض للعقول، واستنباط للحلول.وبالله التوفيق.