05 أكتوبر 2025
تسجيلالفرق بين الكلمة قديما والآن فرق شاسع كما المسافة بين مجرات الكون فقديما كانت للكلمة هيبة وللكلمة احترام وللكلمة إيقاع ونبض كانت الكلمة تكفي لتهز كيان الإنسان وقلبه بقوة تجعله يترنم بها كل لحظة وخاصة إذا جاء المطرب يغني ليضيف على القصيدة المكتوبة أداء يجعلها أروع وأجمل وأكثر استقرارا في القلب لأن الكاتب كان أكثر إبداعا وكانت الكلمة التي يبدعها تعبر عن واقعه لذا كانت أكثر التصاقا بالمشاعر والأفكار وكان نتاج ذلك عظمة الكلمة المغناة حيث القصيدة والكلمة هي التي تشهر الفنان الذي يغنيها ويوصل رسالة الحس الصادق للجمهور ولو أردت أن أذكر هنا نماذج من الفن الغنائي في عصره الذهبي النادر لما انتهيت كما لو أردت أن أقارن الكلمة المغناة في عصر الفن الهابط الذي نعيشه لما انتهيت أيضاً فهيبة الكلمة قد سقطت تحت وطأة الانحدار نحو الركاكة عدم التذوق وتبلد المشاعر والإحساس بالمسؤولية لا من بعض الشعراء ولا من بعض المطربين ونستغرب بل ننصدم حين يأتي مطرب له اسمه ووزنه وشهرته في عالم الغناء ليغني كلمات لا ندري من كتبها ومن أين جاءت وكيف وما مصدر معانيها الساقطة في قاع السوقية وكأنه حديث شوارع لا قصيدة حب تحمل رسالة إنسانية سامية كلما يحدث في العالم من حولنا لا يكفي لإعادة الإحساس والشعور بالواقع لدى بعض المطربين ولا أقول الكاتب لأن الكاتب لا يعبر حين يكتب إلا عن مستوى تفكيره ووجهات نظره ومن المستحيل أن يكتب ما لا يشعر به أما المطرب فهو مخير هنا والموضوع يعتمد على ذوقه في الانتقاء انتقاء ما يستطيع به أن يعبر عن ذوقه وعن إحساس العالم الذي يستمع إليه ويتابعه ولكن للأسف لقد انعدم هذا الإحساس لدى أغلب المطربين الإحساس بالمسؤولية ذلك الذي يجعل الفنان إما في القمة وإما في القاع اختيار الكلمات هي حقيقة الفنان والصوت الأقوى في داخله لأنها أعلى الأصوات المنبعثة من داخل الكاتب هي أثمن من كل شيء أثمن وأغلى من الشهرة وبقية الأشياء لأنها أحاسيس صادقة تستند على مبادئ وقيم من الصعب تجاوزها ومن الصعب تكرارها ليت المطرب ينال ما يناله الكاتب من نقد في كتاباته لكانت الأغنيات أرقى مما نسمع وأجمل لكان الفنانون الكبار الذين رسموا لأنفسهم منهجا ودربا يسيرون عليه لازالوا يتربعون في القمة ولم يتساقطوا عنها ليتهم ينتبهون وليتهم يتوقفون قليلاً مع أنفسهم قبل اختيار ما تشدو به أصواتهم إنها مجرد قراءة بسيطة للكلمات لا أكثر وأجزم أن أغلب الكلمات لم تهز وترا واحدا من أوتار أحاسيسهم لذا أستغرب كيف يتخذونها كلمات لأغنياتهم بقي أن أقول أن الكثرة والإنتاج المستمر لا يعني النجاح فهناك من لا ينتج إلا أغنية واحدة كل عام لكنها أغنية تبقى خالدة في الأذهان وهناك من ينتج ألبوما كاملا كل شهر أو شهرين ولكن لا أحد يستمع له بعد شهر لأنها أغاني يكفي سماعها مرة واحدة لاحظوا الفرق وفكروا قبل كل شيء في الرسالة الفنية فالكاتب والفنان كل منهما يكمل الآخر ولو كان الاثنان يفكران بالمسؤولية كان العمل الفني أكثر رقيا وجمالا.