نزار عابدين.. وثقافته الإبداعية

رحل بالأمس الشاعر والأديب السوري المبدع نزار عابدين “ 1946 - 2021 “ الذي اعطى الكثير للاعلام القطري على مدى عقود طويلة من خلال عمله كمذيع ومقدم للكثير من برامج اذاعة قطر سواء كانت في مجال الشعر والأدب او في البرامج الحوارية التي اشتهر بها وكان اعلاميا متفردا ومثقفا واعيا لا مثيل له على المستوى العربي. والامر الاخر الذي اشتهر به اديبنا الراحل انه كان بمثابة موسوعة شعرية نادرة في مسيرة شعراء العربية الاوائل منذ العصر الجاهلي وحتى وقتنا المعاصر.. وله برامجه الجميلة التي ارّخت لابرز المحطات الشعرية خلال تلك العصور.. حيث اشتهر “ نزار “ بطريقته الخاصة في الاعداد والتقديم بصورة قد لا يجيدها اي مذيع اخر داخل دهاليز اذاعة قطر. وقد عمل في اذاعة دمشق السورية فيما بين 1975 - 1980 م ثم انتقل للعمل باذاعة قطر عام 1980 م كمذيع وقارئ اخبار ومعد ومقدم برامج.. وهو حاصل على درجة الليسانس في الفلسفة وعلم النفس في جامعة دمشق 1972 م. وتعرف طبقة صوته الشجي بميزة جعلته منطلقا في القاء الاشعار بطريقة لها خطها المختلف من خلال تناول برامجه الادبية التي احسن تقديمها كشاعر ومتذوق للشعر.. وكنت من اشد المعجبين به خاصة في ثمانينيات وتسعينيات القرن المنصرم. وما زلت اتذكر احد برامجه التي يقدم فيها بعض الشعراء القدماء “ شاعر وحكاية “ ان لم تخني الذاكرة.. حيث قدم فيه عدة شعراء برزوا في تاريخ الشعر العربي مثل اشعار زهير بن أبي سلمى وامرؤ القيس وجميل بثينة والمتنبي والفرزدق وجرير وابن زيدون وغيرهم الكثير.. هذا بجانب شعراء العصر الحديث مثل البارودي وبدوي الجبل وحافظ ابراهيم وأحمد شوقي وحسن نعمة الخ. ما زلت احتفظ باشرطة الكاسيت القديمة التي تشتمل على بعض التسجيلات الاذاعية لبعض برامج نزار عابدين في مجال الشعر والادب التي عرف بها الفقيد بجودة صوته والمامه بكل صغيرة وكبيرة عن شعراء العرب الرواد وتقديم انتاجهم بصورة سلسة للمستمع القطري والعربي.. فقد كان طوال فترة عمله باذاعة قطر نجما ساطعا في سماء الاعلام القطري بدرجة امتياز عليه رحمة الله. ويعد “ نزار “ أحد الكتاب العرب المميزين في الصحف القطرية.. وابرز الشعراء العرب حيث كتب في شتى الاغراض الشعرية كالسياسة والرثاء والغزل والمناسبات الاجتماعية.. نقتطف من ذلك قوله في قصيدة “ الحب في زمن الكورونا “: أضحى التنائي بديلا من تدانينا وناب عن طيب لقيانا تجافينا اضحى “التباعد“ دستور المحبّينا ما عاد ينقع في اللقيا تدانينا “ لمّي“ يديك فإني لن امدّ يدي كفّ تلامس كفّا كان يغرينا كان العناق كأحلام تراودنا واليوم نخشى عناقا منك يعدينا الحب يطلقنا، والشوق يسبقنا والخوف يقلقنا، فالقول يكفينا اشتاق وجهك، أين الوجه يفتننا لا شيء غير “كمَامات“ تنادينا قالوا البراقع ليست زيّ حاضرنا قد ساد برقعنا حتى أعادينا من أين أدري بأن الحبّ ليس به عدوى، فتملأ دمعات مآقينا يا منيتي والهوى في القلب مرتعه نخشى السقام وكان الحبّ يحيينا ردّي السلام كما لو كان عاذلنا كالصقر يرقبنا والقصد يؤذينا غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعوا بأن نغصّ فكان الردّ “كورونا“. أما ابرز مؤلفاته العلمية: - سبع مجموعات قصصية: النار والجليد، الخروج من الباب الكبير، الإضراب. - كتابان في النقد الاجتماعي والسياسي: هكذا تكلم عبدالله بن قحطان العدناني، وشم على حدقات العيون. - كتابان في الدراسات الشعرية: الأسر في الشعر العربي، والغزل في الشعر العربي (طبعتنا). - ترجمة كتاب البخلاء للجاحظ: اعادة كتابة بلغة العصر تغني القارئ العربي عن الرجوع الى المراجع. - وله عدة مؤلفات تحت الطبع: مجموعة قصصية، ومداعبات لغوية، وجنايات الاعلام والاعلان على لغة البيان والقرآن. كلمة أخيرة: نزار عابدين يستحق منا التقدير والاحترام نظير ما قدم من جهود أدبية واعلامية رفعت من قدر اذاعة قطر على مدى عقود مضت.. نتذكرها اليوم بعد رحيله بكل فخر واعتزاز.. رحمه الله رحمة واسعة. [email protected]