13 سبتمبر 2025

تسجيل

العرب من هزيمة يونيو إلى سيطرة «داعش»

05 يونيو 2015

في حرب 5 يونيو1967 الخاطفة حققت«إسرائيل» والولايات المتحدة الأمريكية نصراً كبيراً على الزعيم الراحل عبد الناصر والحركة القومية العربية. كانت «إسرائيل» هي التي اتخذت المبادرة بتدمير الطائرات المصرية وهي جاثمة في المطارات، هكذا بدأت «حربا استباقية» احتلّت «إسرائيل» في نهايتها أربعة أضعاف مساحة أراضيها، في الضفة الغربية والقدس الشرقية وسيناء والجولان. وتم تشريد 400 ألف لاجئ فلسطيني جديد. ورفضت «إسرائيل»إعادة الأراضي المحتلة، وأبقت تحت سلطتها شعباً فلسطينياً مقاوماً معتبرة أن اللجوء إلى القوة وحده يحلّ المشاكل، وهذا ما أغرقها في أزمة سياسية وأخلاقية عميقة، ليست فضائح الفساد المتكرر سوى واحدة من ظواهرها. ولا يزال العالم العربي يلملم الشظايا المتناثرة لتلك الهزيمة المدوية.. وحين نتذكر هزيمة يونيو 1967، نتذكر هزيمة « المشروع القومي العربي» بشقيه الناصري والبعثي، وهي هزيمة تاريخية عادلة، بسبب عدم ديمقراطيته. والواقع أن « المشروع القومي العربي» كان يعاني من تأخر الوعي الإيديولوجي السياسي للبلدان العربية التي رفعت لواء الحركة القومية العربية في مصر والمشرق العربي، إذ إن هذا التأخر التاريخي كان عاملاً حاسماً في استمرار الوعي المحافظ الامتثالي والتقليدي الذي يرفض تجسيد القطيعة المنهجية والمعرفية مع كل نزعة ماضوية وتقليدية في تطور مستقبل المسألة القومية العربية على أسس ديمقراطية، عقب الهزيمة العربية أمام الإمبريالية الغربية والكيان الصهيوني. علماً أنه من الناحية السياسية والتاريخية، كان العالم العربي من محيطه إلى خليجه منجذباً بحماسة عاطفية لأهداف الحركة القومية العربية في التحرر والاستقلال والوحدة، وكانت مصر الناصرية في مرحلة الستينيات من القرن الماضي مركزاً إقليمياً طليعياً من الناحيتين السياسية والتاريخية، ومرجعية قومية موثوقًاً بها وقادرة على تفعيل الحيوية الشعبية الكامنة، إذ حوّلت هزيمة حرب يونيو التلقف الطوعي، الذي ارتآه الرئيس عبد الناصر تعاطفاً دافئاً مع رغبة في المشاركة في التعدد وتصحيح الثغر التي من خلالها حصل النزف ومهد لمراجعات تبلورت في الصمود وحرب الاستنزاف. لكن الثقافة السياسية السائدة بعد هزيمة يونيو 1967 بقيت إلى حدٍ كبيرٍ مدمنة عدم المساءلة، وترفض عملية التحديث في البنية الفكرية والثقافية للدولة العربية المعاصرة، ذلك أن كل عملية تحررية ثورية حديثة تقتضي بلورة فكرية حديثة.فالتأكيد على الحداثة الفكرية، هي بمنزلة التأكيد على جذرية البرنامج السياسي، وبالتالي راديكالية العملية الثورية ذاتها في ظل عالم عربي متأخر. واستمر النقد للبنية الفكرية، وبالتالي« للمشروع القومي العربي»مشبوهاً بكونه معارضة يسارية أو تقدمية أو وطنية راديكالية، وحتى يومنا هذا لا تزال عملية نقد الذات حتى من موقع الالتزام مدخلاً لدى معظم السلطات العربية إلى التشكيك وبالتالي اعتبار النقد من موقع الالتزام بالمشروع القومي العربي نوعاً من التربص. فما الذي حدث، منذ هزيمة يونيو 1967وحتى الآن؟ على العرب أن يعترفوا بخطورة المشروع الصهيوني في المنطقة وأهدافه التي تتكشف كل يوم من تفكيك للمنطقة وعزلها وتجزئتها، ومنذ هزيمة 1967، انكفأت الدول العربية كل منها على ذاتها، وظهرت تيارات انعزالية تسيطر على تفكيرها، بحيث التفتت كل دولة لذاتها، وأسهم في ذلك ما يسمى بالعولمة التي ترمي في مصالح المخطط الأمريكي -الصهيوني، أبرزها المصالحة مع الكيان الصهيوني، بحيث تحول الأمر إلى أن بعض الدول أصبحت تابعة لـ«إسرائيل». لقد انتصر المشروع الصهيوني في حرب يونيو 1967، ونجح في إحداث الفرقة بين العرب، إذ بات يتصور بعضهم أن البعض الآخر يسرق ثروته. وباتت مفردات «النكسة» تعني الهزيمة في وجه «إسرائيل»، لقد طبعت هزيمة الجيوش المصرية والسورية والأردنية في مواجهة إسرائيل الهزيمة السياسية لجيلٍ راهن على التنمية والوحدة العربية والاشتراكية، ففقدت المجتمعات نقاط ارتكازها، وتحوّلت نحو الدين، وهكذا شاهدنا نشوء الحركات الإسلامية التي ازدادت قوّتها بقدر ما برهنت الدوائر الحاكمة عن عجزها وعن تسلّطها، دون هدف آخر سوى البقاء في السلطة. وشكل احتلال العراق في سنة 2003، هزيمة مدوية للمشروع القومي العربي الذي قولب منطقة الشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الأولى، لأن الحركات القومية العربية التي عملت أو ادعت أنها بصدد بناء الدولة القومية، تراجعت في الميادين جميعها، ولاسيَّما في المواجهة مع الإمبريالية، والمشروع الصهيوني، وعلى الصعيد الدعوة والعمل للتغيير السياسي والاجتماعي لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية، وعلى صعيد العمل الرسمي والسعي من أجل الوحدة العربية، حيث واكب ذلك انفصال وحدة 1958، وإخفاق المشاريع الوحدوية الأخرى، وحدوث انشقاقات وتصدعات في الحركات القومية. وفي ظل الاحتلال الأمريكي للعراق، وتدمير دولته الثاوية، انبعثت الهويات الإثنية –الدينية في بلدان الشرق الأوسط، وهي ليست سوى خلاصة موضوعية لبنى المجتمعات العربية، التي لا تزال جماعاتها الإثنية والمذهبية والطائفية والعشائرية متحاجزة ومتفاصلة، كالزيت والماء، وهو انبعاث تشجعه الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. وفيما كانت الدول العربية تهتز تحت وطأة الاضطرابات الداخلية لما يسمى «ربيع الثورات العربية»، خرج تنظيم«داعش» الابن الشرعي لـ«القاعدة» وهو الابن البار لـ«طالبان»، ومن قبلهما «المجاهدون الأفغان والعرب» الذين سددوا خدمات جلي للأمريكيين، ولكنهم أسقطوا البرجين في نيويورك، ليعلن في شهر يونيو 2014عن إنشاء«الدولة الإسلامية في العراق والشام »، بوصفها دولة الخلافة الإسلامية، ويدعو المسلمين إلى مبايعة أبي بكر البغدادي خليفة لهم.. وبمعزل عما إذا كانت هذه «الخلافة» قابلة للحياة والاستمرار، فإن مجرد الإعلان عن ولادتها، يعكس المدى الذي بلغه مشروع التطرف والتكفير الذي ترفعه الحركات الجهادية، على أنقاض مقولات الاعتدال والوسطية والعيش المشترك والتنوع. لقد استفاق العرب من جديد بدوله الحديثة على ظاهرة«داعش» الموصوفة بـ«العصابات المسلحة» الإرهابية والتكفيرية، وهي تعلن قيام دولة الخلافة في المناطق التي تسيطر عليها في كل من العراق وسوريا، وهو ما يعني تدمير اتفاقيات سايكس بيكو لسنة 1916 التي قامت على أنقاضها الدول الحديثة التي استولدها الاستعمار الغربي. فاستفاقت إيران وتركيا، ومن بعدهما الإدارة الأمريكية والقيادة الروسية، على خطر جديد يهدد خريطة المنطقة بإعادة تقسيمها على أسس دينية ومذهبية وعرقية، بعد أن وصل انحدار ما كان يعرف في الأدب السياسي الحديث النظام الإقليمي العربي إلى مستوى الحضيض.الخريطة الحالية في العالم العربي تتمزق، لأن الحدود التي تُحَدِّدُ أراضي كل من العراق، وسوريا، ولبنان، وتركيا، واليمن، قابلة للاختراق والتغيير من الآن فصاعداً، وهي لا تعكس أبداً الواقع القائم على الأرض. ففي ظل «دولة الخلافة الإسلامية»-«داعش» التي لا تعترف بالحدود بين الدول العربية الموروثة من التقسيم الاستعماري الفرنسي والبريطاني، رأينا كيف أن الدول الحديثة الشرق أوسطية،لاسيَّما في العراق، وسوريا، واليمن، تقوضت أسسها رأساً على عقب، وبنيتها غير التوافقية، تحت تأثير ظاهرة الحرب الإرهابية التي تخوضها الحركات الجهادية ضد النظم الحاكمة.